الرسائل داخلية.. عبر البريد اليمني
أي ترجمة لمواقف جنبلاط في التوازنات الداخلية؟
يكاد لبنان السياسي يرى في حرب اليمن بوصلة استقراره أو انفجاره. لكن الجدير بالملاحظة ان كل القوى والاحزاب السياسية حددت مواقفها وحسمت خيارها الى جانب فريق أو آخر، وبدت كأنها في توافق ضمني على الاختلاف. فلا قصّر الاختلاف من عمر الحكومة ولا أطال من مواعيد الحوار المستمر.
واذا كانت مواقف «قوى 14 آذار» و«قوى 8 آذار» وانحيازاتها محسومة وواضحة، إلا ان مواقف وليد جنبلاط تبقى محط متابعة وتحظى دائما باهتمام خاص. فعلى الرغم من كل الانتقاد الهامس الذي يلقاه الرجل من المعسكرين، وعلى الرغم من الحذر والريبة من مواقفه وسلوكياته، إلا انهما يعتبران ان «راداراته» لا تزال تحسن التقاط موازين القوى. وهو ينحاز دائما الى الكفة الراجحة والرابحة وفق قراءته.
جنبلاط، في نسخته الوسطية اليوم، يبدو حاسما في انحيازه الى «عاصفة الحزم». وقد أسقط كل التباس ممكن بكلامه الاخير حول «ردة فعل المملكة العربية السعودية المشروعة من خلال عاصفة الحزم التي نؤيدها بالكامل، وهي نالت مشروعية إضافية من خلال الغطاء الشامل الذي وفرته القمة العربية». لم ينس أن يثني على كلام الملك سلمان بن عبد العزيز «الدقيق والمسؤول». وعلى خط مواز صعّد جنبلاط من هجومه على ايران. ذكّر بـ «سياسات فارس الاسلامية التوسعية». واختار الاستشهاد بوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل للتأكيد أن «سوريا تقع تحت الاحتلال الفارسي بالكامل». أما موقفه من النظام السوري وإشهار عدائه له فلم يتغير.
فهل ستؤثر مواقف جنبلاط على التوازنات الداخلية؟ هل ستغيّر من معالم «الستاتيكو» القائم؟ الى أي حد يمكن أن يذهب «البيك» في خياراته؟ وهل يمكن ان يكون لمواقفه ترجمات في ملفات كبرى في البلد؟
يتوقف نائب في «14 آذار» عند تصريح جنبلاط الأخير ليضع سطرين تحت الشق اللبناني من كلامه. يتجاوز رأيه في موضوع سوريا واليمن والموقف من إيران. يقرأ إصراره «على ضرورة ترسيم الحدود في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا للخروج من الالتباس المتمادي في هذا الملف، وأن نحصر تالياً جهودنا في الدفاع عن حدودنا وحماية أرضنا، وهو ما أشار إليه إعلان بعبدا الذي يؤكد في نهاية الأمر حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية». يعتبر النائب ان «خلف كل كلمة من كلمات جنبلاط الناعمة، رسائل قاسية الى حزب الله. وفي أقل توصيف، يمكن اعتبار كلامه تأكيدا لربط النزاع المؤجل مع سلاح الحزب تحديدا». يضيف «لا يحتاج جنبلاط الى من يعطيه دروسا في معاني الكلمات ومضامينها المضمرة. كلامه منمّق في الشكل، لكنه في مضمونه وتوقيته سيثير ريبة حزب الله الشديد الارتياب أصلا في هذه المرحلة». ويختم النائب «لم يكن ينقص المشهد لتكتمل الشكوك سوى زيارة السفير الاميركي دايفيد هيل لجنبلاط والغداء على مائدته».
وفيما يجد «الاشتراكيون» في «انحياز جنبلاط السريع الى السعودية وتحالفها، انحيازا تاريخيا الى الخط العربي لم يحد عنه يوما»، يعتبره بعض المتحسسين التاريخيين من الزعيم الدرزي «انحيازا الى المصالح الخاصة والحسابات الفئوية». لا يخفي هؤلاء انزعاجهم من مواقفه «الملتبسة دائما»، لكنهم يستبعدون ان «يكون لها انعكاساتها على الساحة الداخلية اللبنانية المحكومة بتوازنات شديدة التعقيد والهشاشة».
يمكن لكل فريق اختيار من تصريح جنبلاط ومواقفه ما يناسبه، وإسقاط ما لا يتوافق عليه معه. لكن أحدا، وتحديدا «حزب الله»، لن يبادر الى سحب يده من يد جنبلاط ما لم يسبقه هو الى ذلك. صحيح ان المسافات تتسع بين الطرفين، إلا ان المرحلة لا تحتمل خلق أخصام جدد، والجميع سيكون رابحا اذا استطاع ان يبقي الخلاف على الخارج، خارج اللعبة السياسية المحلية. معادلة شديدة الصعوبة، وان لم تكن مستحيلة.