لا شيء يضاهي لغة الجسد في اللقاءات السياسية سوى لغة المكان. ولا أحد يستطيع أن يتجاهل الرمز واللغة المعبرة جداً في كون موسكو صارت محطة دائمة في زيارات وزير الخارجية الأميركي جون كيري. والفضل يعود الى حرب سوريا التي كشفت حسابات الرئيس باراك أوباما، وأعطت الرئيس فلاديمير بوتين فرصة للإمساك باللعبة. فالدور الروسي المباشر عسكرياًً وسياسياً جعل موسكو المعزولة والمعاقبة بعد ضم القرم واللعب في شرق أوكرانيا مركز الاتصال الاقليمي والدولي في أزمة سوريا. وسياسة ما يسميه الخبراء الروس زرع الشوك على طريق أميركا هي جزء من استراتيجية بوتين لضمان المشاركة الروسية لأميركا في ادارة النظام الاقليمي والنظام الدولي ضمن الندية والاحترام.
وهذا ما تحقق عملياً. فالبحث يدور حالياً في مقترح أميركي بعد مطالبة روسية بعمل مشترك ضد داعش وجبهة النصرة تحت عنوان الحرب على الارهاب. موسكو تقول بوضوح إن دورها في ترجمة الحرب الى تسوية سياسية يحتاج الى دور أميركي لكي ينجح ويكتمل. وواشنطن تعترف بلسان مدير الاستخبارات المركزية جون برينان بأنه لا طريقة للتقدم على الجبهة السياسية من دون تعاون روسي فعال. واذا كان الانخراط العسكري الروسي الواسع دفع أميركا وبريطانيا وفرنسا الى انخراط مباشر محدود، فإن ما يدور على محور العملية السياسية هو أن كل طرف يراهن على أن يقترب الطرف الآخر من موقفه. وليس سراً أن في باريس وبرلين ولندن دعوات الى السعي ل تصليب موقف أوباما وكيري، ومنعهما من الاستسلام أمام بوتين ولافروف.
لكن الفارق كبير، ليس فقط بين انخراط روسيا وانخراط أميركا بل أيضاً بين نظرة كل منهما الى موقع سوريا في الصراع الجيوسياسي. فما يراه بوتين هو ان الشرق الأوسط ليس المنطقة الوحيدة التي بات مستقبلها مرهوناً بمصير سوريا. وما يراه أوباما، كما يقول مستشاره الاستراتيجي بن رودس، هو ان الشرق الأوسط كله لم يعد مهماً للمصالح الأميركية، وما يمكن أن يفعله رئيس أميركي هو القليل لجعله مكاناً أفضل. لا بل ان المسؤول السابق في الخارجية الأميركية فريدريك هوف الذي يدير حالياً مركز اتلانتيك يقول إن مبدأ أوباما في سوريا هو: أن تجرب هو أن تفشل، أن تقف هو أن تسقط.
وكالعادة، فإن الأحاديث في المنطقة هي عن صفقة أميركية – روسية على مستقبل سوريا ونظامها لا أحد يعرف متى تكتمل. لكن الرئيس بشار الأسد يقول إن الروس لم يتحدثوا معه عن انتقال سياسي يقود الى رحيلي عن السلطة.
واللعبة طويلة وبالغة التعقيد والكلفة على السوريين.