حين قلنا للرئيس الياس الهراوي «أليست اعجوبة ان تنتج الحاضرة الكاثوليكية في الشرق رئيسا مارونيا للجمهورية؟»، رد بضحكة مجلجلة «أليست اعجوبة ان تنتج الامبراطورية البروتستانتية رئيسا كاثوليكيا؟». الاشارة واضحة الى الرئيس جون كنيدي…
اين زحلة الان بعد الياس سكاف، وهل تستطيع السيدة ميريام، بكل ما اوتيت من لياقة، ومن جاذبية ايضا، وقد اصبح زوجها وراء الدنيا، ان تضطلع بدور مماثل لدور ابنة عمها ستريدا حين كان زوجها وراء القضبان؟
زحلة مدينة معقدة. ازدادت تعقيدا بعد التحولات الديموغرافية التي حدثت في القضاء، لا سيما عقب تجنيس عشرات الآلاف من ابناء القبائل العربية. لم تعد الكلمة الاولى للكاثوليك. باتت للسنّة، حتى ان نائبا سابقا، وقد صدمته نتائج انتخابات عام 2009 لم يتردد في القول انه لا يستغرب ان يمثل موارنة زحلة في الانتخابات المقبلة نائب سني…
الكتلة الشيعية الناخبة تضخمت ايضا، لكنها لا تصل الى نصف الكتلة السنية الضاربة والتي تتأثر الى حد بعيد بالتطورات السورية…
ثمة من رفع، وبشوفينية مثيرة، شعار «زحلة اولا». ضمنا قضاء زحلة ثانيا او عاشرا. هناك نواب يتحدثون بالمنطق نفسه، مع ان احد النائبين الكاثوليكيين (طوني ابي خاطر) من بلدة تربل، وان كانت عائلة ابو خاطر من العائلات السبع في زحلة التي واجهت زعامة الياس طعمة سكاف ثم نجله جوزف سكاف الذي كان الملك المتوج على البقاع.
بصعوبة حاول الياس سكاف ان يكون شعبيا او شعبويا مثل ابيه. ليس بسبب مشكلة النطق بالعربية، وفي زحلة ثمة طريقة خاصة في الكلام وبأقذع الكلام (ايضا وايضا بأجمل الكلام اذا ما ذكرنا سعيد عقل وميشال طراد وفوزي المعلوف وشفيق المعلوف وغيرهم وغيرهم…).
المشكلة في اختراق الاحزاب للمدينة التي طالما وصفت بكونها عصية على الاحزاب. ها ان صورة الدكتور سمير جعجع تغطي جدار مبنى بكامله قرب الليدو في المدينة، لا بل ان ثلاثة نواب من نواب القضاء ينتمون الى كتلة نواب «القوات اللبنانية»».
حزب الكتائب العريق في المدينة تراجع بالرغم من ديناميكية ايلي ماروني الذي يقال ان سطح منزل عائلته لا يزال هو الوحيد في زحلة من تراب. لم تصب النائب الماروني الذي لا اثر للطائفية في ادائه عدوى القصور وثقافة القصور..
جوزف سكاف كان ظاهرة. هو من ادخل المال الى المعركة الانتخابية. كان سخيا للغاية، وكان يضرب منافسيه بالمال الذي كان يتناثر في المدينة كما في ارجاء القضاء. لم يكن يستقبل ناخبيه من وراء الزجاج(او من وراء المريخ) كما يفعل اخرون…
ملك البقاع كان يرشح نوابا في بعلبك-الهرمل، اي في وجه صبري حمادة، ويفوزون. وفي البقاع الغربي – راشيا طلب من شقيقه ميشال اعتناق الارثوذكسية ليشغل المقعد الارثوذكسي هناك. كانت مفارقة مثيرة، وتاريخية، ان يكون في ساحة النجمة نائب كاثوليكي وشقيق له ارثوذكسي، ولو كان له اشقاء اخرون لرأينا النائب الماروني والسني والشيعي من آل سكاف.
لكن جوزف سكاف كان يختار اضعف خلق الله لشغل المقعد السني، هذا التقليد لا يزال ساري المفعول حتى الان. لا زعامة سنية ولا شخصية سنية في البقاع الاوسط استطاعت ان تكسر التابو. اما المقعد الشيعي فكان ولا يزال يستجلب من خارج القضاء، وحده النائب السابق محسن دلول إن بالحنكة السياسية، او بالعلاقة مع السوريين، او بالثروة، «صناعة محلية».
لا شخصية مركزية في زحلة بعد الياس سكاف الذي كان والده على علاقة وثيقة مع المملكة العربية السعودية، ومع آل فرنجية والرئيس صائب سلام، والرئيس حسين الحسيني. في المدينة سمعنا امس كلاما من قبيل «جارة الوادي ترملت»، وهي التي غنّاها محمد عبد الوهاب وغنتها فيروز، وكان احمد شوقي نزيل وادي العرايش في الصيف. قال «هنا الدنيا». اما الآخرة فشيء اخر. ومنها نجوى كرم اولا وشاكيرا ثانيا، ولكن ماذا عن ذاك النائب الذي يشبه صوته… نقيق الضفادع؟
اكثر نواب القضاء في غيبوبة. يكفيهم فخرا الطريق بين الحمراء بلازا والقاعدة الجوية في رياق. هنا الطريق الذي يفضي الى الصومال. طريق دولي، لكنه اما يصل الى المقبرة او يصل الى العصر الحجري. ما بال اصحاب المعالي واصحاب السعادة في بعلبك – الهرمل؟
الياس سكاف وداعا. ثمة خوف حقيقي من ان يقفل هذا البيت. جارة الوادي ارملة. ثمة مطران رائع (عصام درويش). هو من يلملم احزان زحلة. ليل نهار يعمل كي تستعيد دورها عروس البقاع. العروس التي يليق بها الحداد..