بعد خمسة أشهر من التكليف المتعثر والوقت الضائع، عاد الملف الحكومي الى معادلة «اذا مش الاثنين، الخميس»، فهل ستمر الحكومة من خرم الإبرة، ام انها ستكون ضحية جولة جديدة من المناورات السياسية؟
رمى الرئيس ميشال عون، عبر خطاب الدقائق الاربع، حجراً في المياه الحكومية الراكدة التي تحولت مستنقعاً بفعل المراوحة المستمرة منذ خمسة أشهر.
يعلم عون في قرارة نفسه انّ الرئيس المكلف سعد الحريري لن يعتذر، خصوصا اذا أتت الدعوة إلى رحيله من قصر بعبدا تحديدا، ذلك ان رئيس تيار المستقبل الذي استعاد حساسيته المفرطة حيال كل ما يتعلق بدوره وصلاحياته كرئيس مكلف وكممثل للمكون السني لن يقبل بالرحيل تحت ضغط رئيس الجمهورية الماروني، بل انّ المعادلة التي وضعها عون امامه (إمّا التأليف وإمّا الاعتذار) ستدفعه الى التمسك اكثر من اي وقت مضى بالتكليف، سواء طال الانتظار او قصر، متّكئاً على انتفاء اي مهلة إلزامية للتشكيل في الدستور.
بل لعله يمكن الافتراض انه لو كانت فكرة الانسحاب قد خطرت على بال الحريري في لحظة من اللحظات، فهو بالتأكيد طردها بعد استماعه الى كلمة رئيس الجمهورية التي رد عليها بالمثل.
ولأنّ عون على دراية بهذه الحقيقة، ويدرك ان مطالبته الحريري بالاعتذار اذا عجز عن التشكيل ستعطي مفعولاً عكسياً في بيت الوسط والبيئة السنية، فالأرجح انّ ما طرحه في الخطاب المختصر كان يرمي الى تحقيق هدفين: الأول حَضّ الحريري على تشغيل محركاته من جديد وتقديم افكار مقبولة بدل البقاء في موقع المنتظر والمتلقي، والثاني الانتقال من الدفاع الى الهجوم على قاعدة تبرئة الذمة وتحميل بيت الوسط مسؤولية القرار الذي سيتخذه بعدما نجح الرئيس المكلف خلال الفترة السابقة في إعطاء انطباع بأنّ الكرة في ملعب عون والنائب جبران باسيل، وبأنّ ولادة الحكومة تتأخر بسبب سلبيتهما وعنادهما.
ولعل مجرد انعقاد الاجتماع السابع عشر بين عون والحريري امس، على الرغم مما سبقه من دعوة متبادلة إلى التنحي، إنما يؤشّر وبمعزل عن طبيعة نتائجه، الى ان خصوصية الواقع الداخلي المتنوع تحتم معاودة الالتقاء بعد كل افتراق، إذ ان توازنات لبنان لا تتحمل في الظروف العادية الامعان في العناد والمكابرة والكيدية وتكسير الرؤوس، فكيف في الظروف الاستثنائية التي يمر فيها البلد حاليا على وقع الانهيار الشامل. وبالتالي، لا بد في نهاية المطاف من الحوار والتسويات مهما طالت القطيعة والنزاعات، ولذلك هناك من يحضّ عون والحريري على اختصار المسافة والوقت، وتحقيق التفاهم اليوم قبل الغد، لأنه كلما تعثر تصبح كلفة تأخره أعلى، علماً ان لا مفر منه عاجلا ام آجلا.
ويعتبر أصحاب هذا الرأي انه لا يجب الاكتفاء بالسعي الى تحقيق تقارب بين عون والحريري بل أيضاً بين الثاني وباسيل، لكن على قاعدة الشراكة لا المحاصصة كما حصل بعد التسوية الرئاسية، خصوصاً أنّ من شأن هذا التقارب لو حصل ان يساهم في إيجاد بيئة داخلية حاضنة للحكومة المفترضة التي سيكون التحدي الأصعب لها ليس تشكيلها، وإنما مواجهة ما بعده.
ويؤكد زوار عون انه مستعد للأخذ والرد ضمن «منطقة الأمان» ومنفتح على اي مخارج واقعية، الا انه رسم لنفسه زيحاً لن يقفز فوقه، وبالتالي لن يتراجع عن ثوابته الاساسية أمام الضغوط، مهما اشتدت، وسواء كانت اقتصادية او سياسية، منطلقاً من انّ الإفراط في التضحية والتنازلات تحت وطأة الواقع القاسي ستعني انكسارا جديدا وخسارة اضافية للمسيحيين، وبالتالي للتوازن الوطني.
ووفق الزوار، المسألة بالنسبة إلى عون ليست مسألة وزير بالزائد او بالناقص كما يروّج خصومه، بل هي قضية مصير قبل أي امر آخر، «لأن المطلوب منه أن يستسلم ويُسلّم البلد الى المنظومة الحاكمة منذ عقود، وأن يتخلى عن التحقيق الجنائي وأن يُحمّل الاوادم كلفة سد الفجوة المالية وتبعات الفساد بدل ان يدفعها المرتكبون والفاسدون الذين تسببوا في الانهيار، وهذا ما لا يمكن أن يقبل به».
ويجزم زوار بعبدا بأنه اذا وافق عون على التراجع عن التدقيق الجنائي، تتشكل الحكومة غداً ويعطونه 18 وزيرا. «وبالتالي، فإنّ المشكلة الحقيقية تكمن هنا بعدما أصبح التحقيق يشكل هاجسا لمكونات المنظومة لانه قد يؤدي إلى محاسبة القريبين منها والمحسوبين عليها ممّن استلموا مراكز حيوية في الدولة منذ عقود، ما سيؤدي الى انكشافها وافتضاح ارتكاباتها»، كما يقول العائدون من القصر الجمهوري.
وفي رأي زوار بعبدا ان عون جَدّد، من خلال مضمون اطلالته، تثبيت المعايير الدستورية والميثاقية الناظمة لمسألة تشكيل الحكومة.
ويلفت هؤلاء الى ان عون ليس وحده، «إذ إنّ «حزب الله» لا يزال معه استراتيجياً، على الرغم من بعض التمايزات الموضعية، وكذلك هناك محور طويل عريض انتصر في المنطقة يسند ظهره. ويضيفون: صحيح انّ صهره تعرّض الى عقوبات اميركية، لكنها ليست نهاية العالم ولا يجوز أن يتعاطوا مع عون كأنه مهزوم وعليه ان يوقّع صك استسلام، فلا موازين القوى تسمح بذلك ولا شخصية الرئيس.