خلافاً للاتهام الموجّه من بعض القوى السياسية ومجموعات الحراك الى الرئيس ميشال عون بأنّه يتباطأ في تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الشخصية التي ستكلّف بتشكيل الحكومة الجديدة، يؤكد زوّاره أنه أكثر من يستعجل إجراء تلك الاستشارات، لأنّ عهده على المحك، ومصلحته الأساسية تكمن في تشكيل الحكومة أمس قبل اليوم، لاستدراك الأزمة المتفاقمة ومنع الانهيار الذي سيكون هو المتضرر الأكبر منه.
ويعتبر المطّلعون على دوافع موقف عون أنّ معادلته منذ اليوم الاول لاستقالة الرئيس سعد الحريري هي السرعة لا التسرّع، مشيرين الى انّ «سَلق» اسم الرئيس المكلف من دون تهيئة الارضية التي سيقف عليها، كان سيعني كسب بضعة أيام في مقابل خسارة أشهر قد تضيع لاحقاً في دهاليز المساومات والمقايضات على تركيبة الحكومة المقبلة.
ويلفت هؤلاء الى انّ «التأخير الحميد» في تحديد موعد الاستشارات الملزمة، هو بالتأكيد أفضل بكثير من «التأخير الخبيث» الذي قد يدوم طويلاً إذا جرت تسمية شخصية للتأليف إرضاء للبعض، من غير أن يترافق ذلك مع تفاهم مبدئي على قواعد الحكومة المقبلة واتجاهاتها.
لم يكن هناك أسهل على عون، كما يؤكد زواره، من أن يدعو فور استقالة الحريري الى استشارات ملزمة تحميه من تهمة المماطلة، وتُلقي أعباء المسؤولية الثقيلة على كاهل الرئيس المكلف الذي كان سيجد نفسه عالقاً وسط كومة من الشوك السياسي.
لم يسلك عون هذا الدرب، بل اتخذ القرار الصعب المُستوحى من دروس التكليف الاول والثاني في عهده، آخذاً على عاتقه تَحمّل تبعات اعتماد الاجتهاد السياسي – الدستوري الذي أجاز له محاولة إنضاج شروط التأليف قبل حسم وجهة التكليف، على قاعدة انّ تلازم المسارَين سيسمح باختصار المراحل في المحصلة النهائية، وإن طالت مرحلة التسمية بعض الشيء.
وتحت هذا السقف، ترك عون الأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات خلال المفاوضات التي تدور فوق حافة الهاوية، مبدياً انفتاحه على خيارات متنوعة تمتد من حكومة برئاسة سعد الحريري او من يسمّيه الى حكومة برئاسة شخصية أخرى، علماً أنّ مصدراً مطّلعاً يكشف انه لو تُرك الامر لعون وحده لكان قد اختار إسماً سنياً معتدلاً تربطه به علاقة جيدة وغير محسوب على ما كان يُعرف بـ8 و14 آذار، لكن رئيس الجمهورية يأخذ في الاعتبار انّ الرئيس المكلف يجب ان يحظى في هذه الظروف الدقيقة بأوسع مظلّة ممكنة من التوافق الوطني، ولاسيما بين القوى الأساسية.
ولئن كان عون قد أعطى التشاور حول اسم الرئيس المكلف والصيغة الحكومية كل الفرص حتى الآن، إلّا أنّ العارفين يشيرون الى انه لم يعد بمقدوره الانتظار كثيراً وأنه سيصبر أياماً قليلة جداً بعد على محاولات التوافق، فإمّا ان تنجح ويحصل الانفراج الحكومي، وإمّا ان يدعو الى استشارات الامر الواقع لإحراج الجميع ووضعهم أمام مسؤولياتهم، بعد أن يكون قد تثبّت من انسداد الشرايين الاخرى.
ويلفت العارفون الى انّ عون لا يقبل ولا يتحمّل ان تستمر حالة «انعدام الوزن» الراهنة وقتاً إضافياً، لمعرفته بما ترتّبه من كلفة عالية سواء على العهد الذي يحتاج الى تعويض ما فاته في النصف الاول من الولاية الرئاسية، او على الوضع اللبناني العام الذي لم يعد جائزاً إخضاعه الى «ترف الانتظار» في ظل تفاقم مخاطر الانهيار الاقتصادي والمالي. ويُنقل عن عون قوله بشكل واضح وصريح في هذا المجال: أنا أفضّل الاستقالة على شَلّ العهد.
وفيما أبلغ الحريري الى «المرشح الصامد» سمير الخطيب أن «إذهب واتفق مع الجميع وأنا مستعد عندها لتأييدك»، يترقّب عون، الذي استقبل الخطيب، ما سيؤول اليه مسعى الرجل لتدوير الزوايا السياسية الحادة والتوفيق بين سقف الشروط الحريرية ومطالب القوى الأخرى.
المهم بالنسبة الى عون، وفق تأكيد القريبين منه، أن تأتي الحكومة الجديدة متناسبة مع متطلبات مواجهة التحديات المصيرية التي تواجه الدولة اللبنانية في هذه المرحلة، خصوصاً على الصعيدين الاقتصادي والمالي.
ويبدو رئيس الجمهورية، حسب هؤلاء، مطمئناً الى انّ المجتمع الدولي سيبادر الى مساعدة لبنان فور تشكيل حكومة جديدة، «ليس لأنه يحبّنا، بل لأنّ مصلحته تقتضي ذلك خشية من التداعيات التي يمكن ان تتركها الفوضى في لبنان على بعض الدول الغربية»، مع العلم انّ عون تبلّغ إشارات واضحة من بعض العواصم الاوروبية تفيد أنّ تقديم المساعدات الى لبنان ليس مشروطاً بعودة الحريري حصراً الى رئاسة الحكومة.