IMLebanon

مواقف عون بمكافحة الفساد تحوّلت إلى عملية استئصال سياسي لخصومه من الإدارة

 

بعدما أعاق الفريق الرئاسي التشكيلات القضائية ومنع المساءلة عن قطاع الكهرباء

 

 

منذ بداية عهده الذي تجاوز منتصفه، يُبشّر رئيس الجمهورية ميشال عون اللبنانيين بعزمه على إطلاق حملة واسعة لمكافحة الفساد المستشري في مؤسسات وإدارات الدولة ويعدهم القيام بالاصلاحات اللازمة للنهوض بالبلد نحو الأفضل، ولهذه الغاية سمّى وزيراً من فريقه السياسي في بداية العهد ليتولى هذه المهمة، ولكنه لسوء الحظ أنهى مهامه الوزارية من دون ان يوفق في كشف قضية أو فتح ملف فضائحي بالمعنى الكامل للكلمة.

 

وهكذا مرّت الأشهر والسنوات الأوّلى من عمر العهد وبقيت الوعود بالإصلاحات ومكافحة الفساد، مجرّد مواقف، تتوقف عند موظفين مغمورين وإدارات هامشية أو تطال رموزاً مشهود بنجاحهم الوظيفي للهيمنة على مواقعهم والاستئثار بإداراتهم، في حين كانت العملية تتوقف عند حدود فتح ملف الكهرباء أو صفقات الفيول المغشوش كما حدث مؤخراً، ولا تطال ما يُهدر من أموال بالمليارات على هذا القطاع سنوياً.

 

خسر لبنان جرّاء هذه المماطلة بإجراء الإصلاحات المطلوبة في الادارات والقطاعات المستنزفة لأموال الخزينة من دون طائل، تنفيذ قرارات مؤتمر «سيدر» المقدرة باثني عشر مليار دولار، وهذا الشرط لم يتغيّر حتى الآن، وما زالت العقبات نفسها هي رفض الالتزام باجراء الإصلاحات الضرورية لأنها تطال قطاع الكهرباء «المطوّب» باسم «التيار العوني»، ولبنان يدفع ثمن هذا التطويب الذي يزداد عبئاً على اللبنانيين.

 

شعارات ومواقف رئيس الجمهورية بمكافحة الفساد المزعومة تحوّلت إلى عملية انتقام سياسي واسعة النطاق لاستئصال كل الموظفين البارزين والمحسوبين على المعارضين للعهد والحكومة

 

بعد انتفاضة السابع عشر من تشرين الأوّل الماضي وما تلاها من احتجاجات ومطالبات بالتغيير السلطوي، وبعد تأليف الحكومة الجديدة التي أتت على صورة العهد وتوجهات «حزب الله» خلافاً لتسميتها، نفض رئيس الجمهورية الغبار عن شعارات ومواقف مكافحة الفساد، وباتت هذه المواقف تتصدر كل اللقاءات والمناسبات، ولا سيما منها مع المبعوثين الدوليين ومسؤولي الهيئات المالية الدولية، في محاولة ترمي إلى استيعاب انتفاضة الشارع من جهة وإعطاء انطباعات وهمية للمؤسسات المالية الدولية بالتزام العهد تنفيذ عملية الإصلاح لتسهيل الحصول على المساعدات المالية الدولية للبنان من جهة ثانية.

 

ولكن بعد مرور اسابيع على ترداد هذه الشعارات والوعود الرئاسية ماذا حصل على الارض؟

 

بدلاً من ان يُقرن رئيس الجمهورية تعهداته والتزاماته بإقرار خطة حكومية مبرمجة لتنفيذ خطوات فعلية لمكافحة الفساد والقيام بالاجراءات المطلوبة للاصلاحات اللازمة في المؤسسات والإدارات العامة التي تشكّل موقع الاستنزاف الاساسي لخزينة الدولة، باشر الفريق الرئاسي بسلسلة خطوات عكسية، لا تدعو الى التفاؤل، بل الى التشاؤم المفرط بأن لبنان ينحدر الى مزيد من التدهور وتحلّل الدولة واهتراء المؤسسات.

 

وأولى هذه الخطوات، كانت بالتعطيل المتعمّد لاقرار التشكيلات القضائية بتدخل مفضوح من الفريق الرئاسي احتجاجاً على المناقشات التي شملت رموزاً قضائية موالية لهذا الفريق، وفي محاولة ضغط لاعادة النظر في هذه التشكيلات التي أعدها مجلس القضاء الأعلى وتكريس التدخل الفاضح والمحاصصة، في حين ادى هذا التعطيل الى اعاقة تسريع تنفيذ هذه التشكيلات وانكشاف خطط هذا الفريق لوضع يده على السلطة القضائية التي ستتولى البت بمسائل مكافحة الفساد وملاحقة المتورطين بالاستيلاء على المال العام.

 

اما ثاني هذه الخطوات التشاؤمية فهي القرار الذي اتخذته الحكومة بوضع ملف الكهرباء بعهدة رئيس الجمهورية، وهو ما يعني منع المساءلة ومكافحة الفساد في هذا الملف الفضائحي بامتياز باعتراف معظم اللبنانيين والهيئات المالية الدولية، ولا سيما ان تيار رئيس الجمهورية الذي تسلم هذا الملف منذ أكثر من عشر سنوات لم يحدث فيه اي تقدم ايجابي يمكن مباهاة الآخرين فيه، بل ينحدر الأداء فيه من سيئ الى أسوأ، وتُهدر من خلاله عشرات مليارات الدولارات التي كانت السبب الرئيسي في زيادة الدين العام وتفجر الازمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان اليوم.

 

الخطوة الثالثة والأهم، هي في تحويل شعارات ومواقف رئيس الجمهورية بمكافحة الفساد والاصلاح المزعومة الى عملية انتقام سياسي واسعة النطاق لاستئصال كل الموظفين البارزين والمهمّين والمحسوبين على الخصوم المعارضين للعهد والحكومة والاطباق على كل المؤسسات والادارات التي يشغلونها في اطار من الكيدية السياسية التي تذكر بأسلوب النظام الأمني اللبناني – السوري السابق الذي اعتمد ايام الرئيس السابق اميل لحود وهذا ما ظهر بوضوح في خلاصة القرارات الاخيرة لمجلس الوزراء، وقد بدأت بوادر هذه العملية بتركيب ملفات مالية مفضوحة واحالتها الى احد القضاة الرموز من خارج صلاحياته القانونية، ما يؤشر بوضوح الى نوايا غير سليمة وخلفيات انتقام سياسي ستؤدي حتماً الى اخلال فاضح في تركيبة الوظيفة العامة وزيادة الاهتراء الاداري في المؤسسات، وبالطبع الى تصاعد وتيرة الاهتزازات السياسية والشعبية ضد رئيس الجمهورية والحكومة التي تولي قرارات هيمنة الفريق الرئاسي على مؤسسات الدولة ومصالحها على حساب مصالح الوطن واللبنانيين واتخاذ الخطوات السريعة للتخفيف من ضغوطات الأزمة المالية والمعيشية التي يعانونها.