Site icon IMLebanon

إحتفال عون في القصر تحت ظاهرة فريدة

بعد 26 سنة من خروج العماد عون من قصر بعبدا بالقوة وتحت نيران المدافع الشامية والدبابات الشامية ومرور طائرة شامية رمت قنبلة فوق قصر بعبدا فان عودة العماد ميشال عون الى قصر بعبدا من الباب الديموقراطي هي ظاهرة فريدة لا تتكرر كل يوم بل تتكرر عبر أجيال واجيال بينها مسافات طويلة من الزمن، ولا يمكن لاحد ان يقول للعماد ميشال عون انا صنعتك رئيساً للجمهورية بل ان نضال العماد ميشال عون اوصله الى رئاسة الجمهورية، وها هو الشعب يلتف حوله كما التف حوله قبل 26 سنة في قصر بعبدا او قصر الشعب.

على العماد ميشال عون مسؤولية جسيمة لا بل مسؤوليات خطيرة وهي النهوض بلبنان والاصلاح وضرب الفساد وتحريك المؤسسات، وشعبنا السوري في الكيان اللبناني كما شعبنا السوري في الكيان الشامي والفلسطيني والعراقي وغيرهم اضاعوا فرصة كبرى عندما جاء أنطون سعادة ليعلن نهضة قومية اجتماعية، فاذا بهم يقتلونه لكن الشعب اضاع ما وضعه سعادة من مبادئ واهمها فصل الدين عن الدولة.

ان سعادة دعا لتأسيس حياة قومية جديدة قائمة على المصير الواحد ومتى كان المصير واحداً يصبح الوطن والقومية هما الأساس، ولذلك كان شعاره هو مبدأ فصل الدين عن الدولة ليقول سعادة للشعب السوري في لبنان وفي الامة السورية ان بناء الوطن واطلاق نهضة سيؤدي الى قيام امة سورية عظيمة دون الغاء الأديان بل تعزيزها. وقامت القيامة على الزعيم أنطون سعادة واتهمه البعض بالإلحاد، وانطون سعادة تزوج في الكنيسة من الامينة الأولى، وقبل استشهاده سنة 1949 مارس سر الاعتراف لدى الكاهن برباري الكاهن الأرثوذكسي في المصيطبة، ومع ذلك اصروا على ان سعادة هو ملحد عبر شعار فصل الدين عن الدولة.

كانت الحملات المذهبية الطائفية تدعمها الصهيونية تهب عليه، فاذا قام بمحاضرة في البسطة قالوا لا نقبل بشخص اسمه أنطون ليأًتي الى منطقتنا، وإذا قام بمحاضرة الجميزة على أطراف الاشرفية كانت الكتائب تشن عليه حملة بانها لا تريد سورياً قومياً ان يأتي الى تلك المنطقة، وكان حزب النجادة السني وحزب الكتائب الماروني متشاركين في الحملة على سعادة بخاصة في شعار فصل الدين عن الدولة مدعومين من الصهيونية.

نتكلم اليوم بمناسبة تسلم فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رئاسة الجمهورية لنقول انه حتى الان لم يتم الغاء الطائفية السياسية، وهو بند من بنود الدستور الذي اقره مجلس النواب. كذلك لم يتم اعداد قانون انتخابات على قاعدة غير مذهبية طائفية، لان هؤلاء المسؤولين عن البلاد والسياسيين والحكام بأكثريتهم يمثلون شركات لها فروع سياسية ولها فروع تجارية ولها مؤسساتها المالية الكاملة التي تأخذها من مال الشعب وتبني ثروات على حساب الناس.

هل سمعتم عن سياسي الا القليل القليل انه ليس ثرياً ويحوي الملايين، هل فتشتم عن ثروات السياسيين عندما بدأوا حياتهم السياسية اين كانوا يسكنون وماذا يملكون وكيف اليوم اصبحوا من اغنى الأغنياء وأصحاب الثروات الكبرى، لانهم مافيا شركات سياسية بأكثريتهم، باستثناء البعض يتناوبون على كراسي الحكم ويجلدون الشعب بالضرائب والرسوم ويغرقونه من مداخيل الدولة والناس بعشرات الملايين من الدولارات سنة بعد سنة، حتى اصبحوا من أصحاب الثروات الضخمة، بينما الشعب اللبناني اصبح 90% منه تحت خط الفقر ومعدل مدخوله 400$ بالشهر وفق دراسة للمؤسسات التابعة للأمم المتحدة والبنك الدولي وبقية المؤسسات المختصة.

على العماد عون ان يفعل شيئا بشأن الطائفية والمذهبية وان يفعل شيئا جذرياً لأنه لو سمع السوريون القوميون في الكيان اللبناني من سعادة بشأن فصل الدين عن الدولة لما حصلت حرب أهلية في لبنان وقام المسلمون بقتل المسيحيين، والمسيحيون بقتل المسلمين وتهجير القرى المسيحية والإسلامية حيث هي اقلية في ظل اكثريات من طوائف أخرى.

سعادة دعا الاخوة القومية الى المصير الواحد والى المشاركة في الحياة الجديدة ونبذ مبدأ التعايش المشترك الذي يستعمله السياسيون عندنا عن غباء، لان التعايش المشترك يكون بين فريقين، فيما نحن شعب واحد ولسنا فريقين، لذلك لا تصح كلمة التعايش المشترك بل تصح كلمة الاخوة القومية والمصير الواحد والمشاركة في إطار حياة جديدة تصنعها نهضة سورية قومية اجتماعية على مبادئ وضعها أنطون سعادة بوضوح.

امام فخامة الرئيس العماد ميشال عون فرصة ذهبية لاعتماد البوصلة التي يريدها، فان أراد تكريس الطائفية والمذهبية والغاء الكفاءة والمواطنة الواحدة، فالأمر سهل ويستمر الكيان اللبناني على ما هو عليه منذ عام 1943 وحتى يومنا هذا، واذا اخذ بوصلة تخفيف الطائفية وضرب المذهبية والاتجاه الى المجتمع المدني وجعل المسلم يصلي في الجامع وفق فريضة الصلاة حسب القرآن الكريم وترك المسيحي يصلي في الكنيسة بقدر ما يشعر انه بحاجة الى الصلاة والايمان، لكن عندما تصل الأمور الى الدولة فلا يصح ادخال الدين في مفاهيم الدولة، فبالنسبة أولاً وشكلياً للتعيينات على كل المستويات، يجب اعتماد الكفاءة بدل اعتماد تعيين المحاسيب والازلام للسياسيين والأحزاب والبيك والاقطاعي والزعيم السياسي على طائفته، والا ستبقى في دوامة دولة متخلفة لا تضم الا المحاسيب والازلام وولاء العاملين فيها هو للشركات التجارية السياسية من أحزاب واقطاعيات وبكوات وقيادات سياسية بدل ان يكون ولاؤهم للوطن وللدولة اللبنانية.

اما على صعيد العلاقة العائلية فلا بد من قيام الزواج المدني الاختياري مع الزامية تسجيله في الكنيسة او في دار الإفتاء لكن القانون المدني هو الذي يفصل في الإرث والطلاق وكل هذه الشؤون بدل ان تكون في يد رجال الدين.

امام فخامة الرئيس العماد ميشال عون مهمات صعبة كبيرة للوصول الى الدولة العصرية، ونحن لا نتحدث عن كبسة زر، بل نتحدث عن خارطة طريق للوصول يوماً من الأيام الى الدولة المدنية العصرية حيث الكفاءة والمواطنة وحيث ما لله لله وما لقيصر لقيصر، وحيث الكفاءة هي الأساس في تعيين المسؤولين بدل ان تكون الطائفية والمذهبية هي الأساس او ان يكونوا من ازلام ومحاسيب البكوات والاقطاعيات والشركات السياسية، ودائماً نصّر على القول ان الأكثرية بنسبة كبيرة هي كذلك، وهنالك استثناء لفئات تمارس السياسة بأخلاقية فلا يجوز ان نهدر حقها والناس يعرفونهم ويعرفون كيف يميزون بين الصالح والفاسد، لذلك ان ظاهرة فريدة تاريخية سجلها فخامة الرئيس العماد ميشال عون ويجب ألا تضيع، بل على العماد عون ان يضرب الحديد حامياً، فالمنطقة كلها تغيرت والشعوب جاهزة للتغيير، وكما وصل بمعجزة الرئيس ميشال عون الى الرئاسة يمكنه ان يصنع المعجزات في الإنجازات، والان ننتظر شكل الحكومة وأسماء أعضائها، فان كانت من الشركات السياسية سنقول للعماد عون العوض بسلامة عهدك، وان رأينا حكومة قادرة ومنسجمة ومنفعلة وفيها طاقات شفافة ونظيفة ذات تاريخ مشرف، فسندعم العماد عون الى اقصى الحدود لأننا بحاجة لقائد مثله لتغيير الأوضاع في لبنان.

فلننتظر الحكومة وأسماء الوزراء وعندئذ يمكننا أكثر معرفة ما إذا كان العماد عون أعاد الفاسدين الى الحكومة أم انه جاء بأصحاب الشرف والعزة والكفاءة العالية الى مراكز المسؤولية على رأس وزارات السلطة التنفيذية التي هي من اهم السلطات في لبنان.

شارل أيوب