Site icon IMLebanon

عون اكد المؤكد في خطاب القسم عن سلاح حزب الله

ليس الهمّ الإضاءة على المواقف الساخطة وردود الفعل الغاضبة وعلامات الاستفهام المستغربة لموقف رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون حول دعمه سلاح المقاومة، فهي طبيعيّة في جوّ الاصطفاف السياسيّ الكلاسيكيّ المستمرّ في لبنان. لكنّ الهمّ يتجلّى بالإضاءة على أسبابها المعلنة وغير المعلنة، المنظورة وغير المنظورة، والمستغرب وبحسب اوساط مقرّبة من الرئيس استيلاد الردود بهذا المضمون المعاكس والحاد، فيما الرئيس لم يحد قيد أنملة عن رؤيته لهذا السلاح قبل تبوّئه سدّة الرئاسة وأثناءه، وقد قال عنه في خطاب القسم: «أما في الصراع مع اسرائيل، فإننا لن نألو جهداً ولن نوفر مقاومةً، في سبيل تحرير ما تبقّى من أراضٍ لبنانية محتلّة، وحماية وطننا من عدوٍّ لما يزل يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية. وسننتعامل مع الإرهاب استباقياً وردعياً وتصدياً، حتّى القضاء عليه، كما علينا معالجة مسألة النزوح السوري عبر تأمين العودة السريعة، ساعين أن لا تتحول مخيمات وتجمعات النزوح إلى محميات أمنية. كل ذلك بالتعاون مع الدول والسلطات المعنية، وبالتنسيق المسؤول مع منظّمة الأمم المتحدة التي ساهم لبنان في تأسيسها، ويلتزم مواثيقها في مقدمة دستوره».

لقد ميّزت تلك الأوساط المقرّبة من الرئيس بين موقف الرئيس الثابت ومواقف المعترضين، وتساءلت عن سبب استنهاض هذا الاصطفاف من جديد واستيلاده في لحظة حبلى بالنقاش حول قانون الانتخابات؟ فهؤلاء تماهوا مع خطاب القسم، وتبنوه بكليّته ووصفوه بأنّه شامل في تطلعاته، وقد بني بيان الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري على أساسه، ومن ضمن هذا الأساس أنّه تبنّى قراءة الرئيس بدقّة لامتناهية للمعاني الكامنة خلف سلاح المقاومة سواءً بوجه إسرائيل في الجنوب والتي أرست لمفهوم توازن الرعب ليس على الحدود في الجنوب بل طال الحدود بين سوريا وإسرائيل، أو بوجه القوى التكفيريّة في سوريا، وقد أعاد الاعتبار لدور الدولة في سوريا بحدود 90% كما قال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أمس الأوّل، وفي الوقت عينه حمى الحدود السوريّة اللبنانيّة من إمكانية اختراق القوى التكفيريّة للداخل اللبنانيّ. التكامل الأمنيّ بين الجيش والمقاومة وبحسب الأوساط المقرّبة من الرئيس أسست لأرضيّة ثابتة وللحظة متكاملة الأجزاء في معنى المواجهة بل الحرب الاستباقيّة والردعيّة. وتساءلت تلك الأوساط مجدّداً «هل يجدر أن يقف اللبنانيون مع إسرائيل بوجه شريحة كبرى من اللبنانيين تواجه إسرائيل وتحمي أرضها؟»  «حزب الله في لبنان يشكّل شريحة كبيرة من الشعب اللبنانى، وجزءا اساسيا من سكان الجنوب، وافراده ليسوا مرتزقة كما جاء المرتزقة إلى سوريا من مختلف البلدان. هم لبنانيون يدافعون عن أرزاقهم وأملاكهم بالدرجة الأولى وإن كانوا يتلقون العون من الآخرين. ونحن لا يمكن أن نكون مع إسرائيل ضد قسم من شعبنا».

أوساط أخرى مراقبة وصّفت كلام الرئيس من ضمن عمليّة وقائيّة ورؤية استباقيّة متمسّكة بدور الحزب في المراحل المقبلة، وتتجلّى في وسط حمأة استنهاض الهمم في لبنان وحشدها بالتحفيز لمواجهة حزب الله وسلاحه وإضعافه على كلّ المستويات، ورفدها لتكون جزءاً من أنظومة الصراع بين إدارة ترامب وإيران، وقد وصفه نصرالله «بالأحمق». وتضيف تلك الأوساط بأنّ من اعترض على كلام الرئيس مشحون سلفًا نحو هذا الاعتراض وتكثيف كلّ اعتراض من جديد لدور حزب الله وسلاحه.

ومن المعلومات الواضحة بأنّ تامر السبهان الذي زار لبنان في الآونة الأخيرة، مدرك بأنّ الرئيس سيقوم بزيارة مصر، في اللحظة التي تبدو العلاقة المصريّة – السعوديّة متوترة للغاية على خلفيّة مواقف رئيس مصر من الصراع في سوريا ودعمه للجيش السوريّ. ويخشى السعوديون في حقيقة الأمر من مثلّث عربيّ مترابط الأجزاء جامع لمصر وسوريا ولبنان، وهو مثلّث متين إن تماسك وثبت، كما يخشون في الوقت عينه من انضمام الأردن إليه بفعل ضغوطات روسيّة تمارَس بهذا الاتجاه، وسط ترحيب إيرانيّ طيّب. فالسعوديّة تتوكّأ على مجموعة عناوين داخليّة وخارجيّة لهدفين:

1-الهدف الأوّل: محاولة إجهاض المحاولة الروسيّة باتجاه تدوير الخلافات بين إدارة دونالد ترامب وإيران، وهي تسير على قدم وساق، وتبذل السعوديّة إمكانيات جلّى في سبيل تأليب الموقف الأميركيّ ضدّ إمكانية هذا التقارب.

2-الهدف الثاني: محاولة استمالة ترامب باتجاه تموضع جديد في المنطقة بهدف تطويق إيران أكثر، وقلب موازين القوى في المربع السوريّ-العراقيّ-اليمنيّ واللبنانيّ. وإيران وسلاح حزب الله عنوانان بارزان في تلك المحاولة التي وصفتها أوساط دبلوماسية باليائسة، «فأميركا اليوم لن تكون أميركا الأمس».

وبالعودة إلى النقاش الداخليّ حول موقف الرئيس من السلاح ومسألة قانون الانتخابات، فإنّ بعض المصادر شدّدت على التناقض البنيويّ المتلاطم والممدود ما بين خطاب القسم وحديث الرئيس الشامل إلى صحيفة الأهرام المصريّة، لتتساءل، ألا تطمح إسرائيل بأرض لبنان ومياهه وهي العامدة دومًا على ضرب النسيج الداخليّ والفريد للبنانيين وتمزيقه إربًا إربًا، ففي خطاب القسم قال الرئيس بأننا لن نوفّر مقاومة سواء كان الجيش مصدرها أو المقاومة، وقد لاقى كلامه ترحيباً كبيراً، وفي الحديث قال بأنّ عناصر حزب الله لبنانيون يدافعون عن أرزاقهم في الجنوب، وقال لا يمكن أن نكون مع إسرائيل ضدّ شعبنا، فلماذا الرضى على خطاب القسم  وتنهمر الكلمات كمطر من نار على حديث لم يتبدّل المضمون بينه وبين خطاب القسم تبديلاً؟

هذا التساؤل المنهجيّ والمنطقيّ تضيء عليه أوساط سياسيّة بالملاحظة التالية: «من قرأ بيان سيدة الجبل البارحة وقد تضمّن بدوره ردّاً عنيفاً على حديث رئيس الجمهوريّة، أدرك ومن دون التباس أنه جاء منسّقاً أو متناسقاً مع موقف السعوديين من هذا السلاح. فمعظم من شاركوا في لقاء سيدة الجبل شاركوا بدورهم في المأدبة التي أقامها النائب السابق فارس سعيد على شرف الموفد السعوديّ تامر السبهان، لقد جعلوا وبحسب المعلومات من زيارته حائط مبكى، فيما السبهان بدوره حفّز على التصدّي لسلاح حزب الله وإضعاف موقعه من باب تشديد تلك القوى على رفض النسبيّة جماعات وفرادى، وإعادة الاعتبار للطائف بحسب الصيغة السعوديّة وليس بالصيغة التسووية وإبطال مفاعيل اتفاق الدوحة، أو التخيير بين المختلط أو الستين. وفي الوقت نفسه فإنّ من انتقد موقف الرئيس كاللواء أشرف ريفي فموقفه بدوره يصب في الإطار عينه، وفي كسب الرضى السعوديّ عليه وفي معنى المزايدات المشحونة داخل الدائرة السنيّة.

هل نحن امام مواجهات سياسيّة مفتوحة في لبنان؟ تجيب أوساط قائلة: لقد بدأت المواجهة من جديد، فيما كانت الأجواء السابقة وقبل إعلان الموقف الأميركيّ من إيران ومن الاتفاق الدوليّ-الإيرانيّ مستقرّة وهادئة وعاقلة وهي التي أدّت في النهاية للتسوية القائمة على انتخاب العماد عون رئيسًا للجمهوريّة وتكليف الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة وإلى هذه الحكومة بالذات. وفي إضاءة بارزة على المرحلة السابقة للمواجهة المستجدّة فقد أمن الاتفاق الإيرانيّ-الدوليّ مع دخول روسيا أرض المعركة في سوريا مسارًّا تميز في سوريا بحسم عدد كبير من المواقع وكانت حلب قمّتها.

وتشير الأوساط بأنّ الروس ساعون لحماية الإنجازات في سوريا انطلاقاً من المحافظة على دور الاتفاق الدوليّ-الإيرانيّ وقد دشّن عهداً جديداً قائماً على الانفتاح بين الغرب وإيران يفترض به أن يستكمل، واللافت هنا موقف وزير الخارجية الروسيّ سيرغي لافروف البارز جدّاً بدعوته إدارة ترامب بالاعتراف بحزب الله بأنه يحارب في سوريا داعش، لكون ترامب اعتبر بأنّه مع الرئيس بشار الأسد في حربه على الإرهاب، فهل يكون مع الأسد ولا يكون مع حزب الله وإيران؟ وحماية الإنجازات في سوريا بحسب الأدبيات الروسيّة وببعدها الاستراتيجيّ من شأنها أيضاً أن تستتبع بحماية الاستقرار في لبنان وحماية العهد وتفعيل دور رئيسه الذي سيقوم بزيارة لروسيا قريباً، وإجراء انتخابات وققاً للنسبيّة. لقد أعلن أمين عام حزب الله موقفه الحاسم من الانتخابات كما توقعت الديار يوم الأحد، وبعث برسالة واضحة لوليد جنبلاط الذي ساهم بتطويق العهد، مؤكّدًا بأنّ العهد لا يطوَّق والقانون الأفضل للجميع هو النسبيّة.

أمام هذا سيشهد لبنان مرحلة شدّ حبال واضحة. لكن وبحسب المعطيات فإن الانتخابات ستجري وفقاً للاندماج مفهومين ترابطا في هذا المسرة: قوّة المنطق في انطلاقتها العموديّة المناصرة لرؤية تكوينيّة تترسّخ فيها من جديد الفلسفة الميثاقيّة بقانون يفترض أن يكون ناجزاً، ومنطق القوّة بحيث أن الرابح في المعارك وللرهان الجديد يفترض أن يفرض قوّة المنطق، وقوّة المنطق حافظة لكلّ الجماعات ضمن المناصفة والميثاق.