لم أرَ ولم أسمع في حياتي زعيماً أو قائداً عسكرياً يحتفل بعد 25 سنة بخسارة حرب ذهب ضحيتها 500 ضابط وعسكري، بدلاً من أن يحاسَب على ارتكابه هذا العمل بالحد الأدنى بعقوبة سجن مؤبّد وإذا كانت هناك عدالة فالإعدام.
نعم يحتفل ويتحدّى… وهذا شيء جميل… لا شك في أنّ الجنرال يعتمد على ذاكرة الشعب الذي ربما يكون بسبب الأوضاع المعيشية والأوضاع الأمنية، قد نسي التاريخ…
وعليه لا بد من أن نذكر المواطن الصالح ومعه الشعب بما حدث منذ 25 سنة في 13 ت1 للتاريخ… فعند انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميّل الرئاسية وبسبب رفض الرئيس المرحوم حافظ الأسد أن يمدّد للجميّل عيّـن الأخير الجنرال ميشال عون رئيساً للحكومة، وكلفه تشكيل حكومة وطنية مهمتها فقط التمهيد لإجراء انتخابات رئاسية… فماذا حدث؟
أولاً: الوزارة العسكرية التي شكلها الجنرال عون من أعضاء المجلس العسكري استقال منها الوزراء الضباط المسلمون وبقي نصف حكومة أي حكومة مسيحية من الضباط المسيحيين…
لم يقم عون بعمل واحد لكي يهيّئ للانتخابات الرئاسية بل ظل منذ أيلول 1988 وحتى موعد إسقاطه في تشرين الأول 1990 متمسكاً بالكرسي عن غير وجه حق.
وبعد «اتفاق الطائف» انتخب المرحوم الرئيس الشهيد رينيه معوّض ولكنه استشهد فقط بعد عشرين يوماً بانفجار قرب وزارة الداخلية الحالية في الصنائع…
وبعدها تم انتخاب المغفور له الرئيس الياس الهراوي في «بارك أوتيل – شتورا» وطوال هذه المدة بقي ميشال عون في قصر بعبدا رافضاً أن يتزحزح سنتمتراً واحداً لأنه يريد أن يكون رئيساً للجمهورية بالقوة، فماذا فعل عون خلال نحو عامين في قصر بعبدا؟
أولاً: رفض أن تُـجرى انتخابات رئاسية لأنه لا يعترف بشرعية النواب، وهو الذي أصدر مرسوماً (غير ذي قيمة) بحل المجلس النيابي.
ثانياً: شن عدة حروب على السوريين وعلى «القوات اللبنانية» تحت عناوين «حرب التحرير» و»حرب الإلغاء».
لذلك عندما تسلم الرئيس الياس الهراوي الرئاسة أقام في اليوم الاول في ثكنة أبلح وبعدها جاء الى بيروت فقدم الشهيد الكبير رفيق الحريري مبنى في منطقة الرملة البيضاء وسُمّي بالمركز الموقت لرئاسة الجمهورية… حاول الهراوي وبجميع الوسائل والحوار وغيره أن يقنع الجنرال بترك القصر الجمهوري في بعبدا فرفض ويومها قال الجنرال عون إنّه يريد أن يكسّر رأس حافظ الاسد…
وهكذا كلف مجلس الوزراء المنعقد برئاسة الرئيس الياس الهراوي الجيش اللبناني أن ينهي حال التمرّد في قصر بعبدا… حاول رئيس الحكومة آنذاك الدكتور سليم الحص الإعتراض بحجة أنّ العملية العسكرية سوف تكلف أرواحاً وشهداء، فأجابه المغفور له الرئيس الياس الهراوي انّ هذا قرار يجب أن ينفّذ لأنّ جميع الوسائل السلمية مع عون قد فشلت، بما فيها الترغيب.
وهكذا استطاع الجيش اللبناني بمؤازرة الجيش السوري إنهاء حال التمرّد وعندما بدأت المعركة هرب البطل ميشال عون وكان يرتدي البيجاما في دبابة من قصر بعبدا الى السفارة الفرنسية في مار تقلا – الحازمية وترك زوجته وبناته الثلاث في القصر…
نعم هكذا يكون الأبطال يهربون ويتركون عائلاتهم وعرضهم والمهم ألاّ يصيبه هو مكروه.
والغريب أنّ قائد القوات الخاصة السورية العميد علي ديب هو الذي دخل قصر بعبدا وأنقذ عائلة ميشال عون وسلمها الى إيلي حبيقة قائلاً له إنّ هناك تبادل خدمات بينك وبين الجنرال.
طبعاً بعدها هربته السفارة الفرنسية الى باريس وسكن في «Haute Maison» معززاً مكرماً! أين؟ في ضاحية باريس، يعني حلو هذا اللجوء و»النفي»… أين؟ في أجمل عاصمة في العالم… طبعاً! وخصصوا له حماية وأعطوه منزلاً وسددوا نفقات إقامته إضافة الى إعطائه راتباً، بالرغم من أنهم، أي الفرنسيون، يعلمون أنه ثري وأنه حوّل الى حساب زوجته من لبنان 50 مليون دولار… هذا عدا عن الاموال التي كان يتقاضاها عندما كان في بعبدا من ضرائب ورسوم للدولة.
اليوم يحتفل الجنرال بذكرى 25 سنة على خسارته حرب 13 تشرين الاول… فعلاً هذا الجنرال يعتمد على ضعف ذاكرة الناس… والانسان طبعاً محكوم بالنسيان!
كلمة أخيرة، الذي يتابع تلفزيون O.T.V يذكرنا بالتلفزيون الليبي وتمجيده للرئيس القذافي، وتلفزيون العراق وتمجيده للرئيس صدّام حسين، والتلفزيون السوري وتمجيده الرئيس بشار الأسد… لا يوجد أي تغيير، التغيير الوحيد أنّ تلك الأنظمة تفتقد الى الحرية والديموقراطية ولكن الشعب اللبناني مطبوع على الحرية… ولكن، في أي حال، هناك مرض لا أعرف اسمه!