IMLebanon

تحالف عون – جعجع ومشكلة الدور المسيحي الفاعل

يُخطئ مَن يعتقد بأنّ حلّ مشكلة التمثيل المسيحي الحقيقي على المستوى النيابي وبالتالي على مستويَي الحكومة ورئاسة الجمهورية يكون فقط من خلال قانون يسمح للناخبين المسيحيين باختيار ممثليهم في السلطة التشريعية بما يُترجم «المناصفة» الحقيقية بين المسيحيين والمسلمين.

فهذا الشرط، على الرغم من أهميته المبدئية، يبقى عاجزاً لوحده عن تحقيق الغايات المطلوبة منه ما لم يكن مرتبطاً عضوياً بشرط ثانٍ يتمثّل في اطمئنان المسيحيين الى أنّ نظرتهم الى هوية الكيان اللبناني ومفهومهم التاريخي للدولة اللبنانية ودورها بات من المسلمات التي يُقرّ بها جميع اللبنانيين.

لذلك، فإنّ قانوناً جديداً للإنتخابات معطوفاً على تحالف إنتخابي بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» في الإنتخابات النيابية المقبلة، وإن أدّيا الى زيادة عدد النواب المسيحيين المنتخبين بأصوات المسيحيين من خلال حسم «صراع الأحجام» المحتدم على الساحة السياسية المسيحية مع بقية الأحزاب والقوى السياسية والشخصيات المستقلة، فإنّهما سيكونان عاجزين عن محاكاة «مخاوف» المسيحيين و«شكاويهم»، وبالتالي عن إشعار المسيحيين بالإطمئنان الى دورهم ومستقبلهم ما لم يترافقا مع اتفاق مسيحي شامل، يقبل به المسلمون، يُحاكي المفاهيم المسيحية التاريخية للكيان اللبناني ودوره في محيطه المشتعل، ولسيادة الدولة ومرجعية مؤسساتها الدستورية وآليات عملها بحسب قواعد النظام اللبناني ومتطلباته.

بكلام آخر، فإنّه حتى لو نجَح التحالف بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» في الحصول على غالبية التمثيل النيابي المسيحي في الإنتخابات النيابية المقبلة، فإنّ مثل هذا النجاح لا يمكن أن يحلّ معضلة «الدور المسيحي الفاعل والمؤثر في المسارات السياسية» في حال بقيَت الخلافات قائمة بين اللبنانيين عموماً وبين المسيحيين خصوصاً حول سبل التعاطي ليس فقط مع المسائل المتعلقة بالمناصفة والقضايا الميثاقية وإنّما مع تلك المتعلقة بسلاح «حزب الله» ومصادرته لكلّ القرارات السياسية والإقتصادية والسيادية للدولة اللبنانية.

لقد سبق للمسيحيين أن تمثّلوا في المجلس النيابي قبل اتفاق «الطائف» بستة نواب مقابل خمسة للمسلمين (54 نائباً مسيحياً في مقابل 45 نائباً مسلماً)، وكانت «المارونية السياسية» يومها قادرة على إسقاط زعماء بحجم كمال جنبلاط وصائب سلام وعبد الله اليافي وأحمد الأسعد وغيرهم بفعل قوانين انتخابية وتحالفات لم تكتفِ بإيصال معظم النواب المسيحيين وإنما مجموعة كبيرة من النواب المسلمين.

ومع ذلك لم يتمكّن المسيحيون من الحؤول دون مواجهة أخطار مصيرية ووجودية أدّت منذ العام 1975 ولا تزال الى إضعاف حضورهم في الدولة اللبنانية وتناقص أعدادهم بفعل الحروب وما نتج عنها من هجرة وخلل ديموغرافي.

من هنا، فإنّ نجاح تحالف «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» في زيادة عدد كتلتيهما النيابيّتين وبالتالي عدد النواب المسيحيين المنتخبين بأصوات المسيحيين، وإن إدّى شكلاً الى حلّ مشكلة «التمثيل المسيحي» ومشكلة انتخاب رئيس للجمهورية، فإنه لن يحلّ جوهر مشكلة المسيحيين المتمثلة في شعورهم بغياب تصوّرهم للدولة اللبنانية ومفهومهم لعمل مؤسساتها بسبب دور «حزب الله» وسياساته المحلية والخارجية.

فالنائب ميشال عون لا يزال يُغطّي سياسات الحزب الإستراتيجية في لبنان والمنطقة، في حين أنّ الدكتور سمير جعجع يصل في رفضها الى حدود عدم المشاركة في جلسات الحوار وفي الحكومة طالما أن لا تطرّق جدياً الى السبل الكفيلة بحلّ مشكلة سلاح حزب الله.

ولعلّ ما جاء على لسان جعجع في مقابلته الأخيرة على شاشة تلفزيون «أم تي في» من أنه سيكون على النائب ميشال عون الإختيار في الإنتخابات النيابية المقبلة بين التحالف مع «القوات اللبنانية» أو التحالف مع «حزب الله»، يعكس في الواقع نقطة «الضعف الأساسية» في التحالف الجديد الذي لم يتخطَّ بعد إطار التفاهمات الموضعيّة والعناوين الفضفاضة الى ملامسة جوهر المشكلة التي يعاني منها لبنان وينقسم في شأنها اللبنانيون ويدفع ثمنها المسيحيون من حضورهم ودورهم.

* عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار»