في قناعة الرئيس نبيه بري، كما في قناعات سائر الافرقاء السياسيين ان الشغور المتمادي في سدة رئاسة الجمهورية مشرع لمزيد من التمدد.. فلا الظروف الدولية والاقليمية والعربية مؤهلة لانجاز هذا الاستحقاق، تماماً كما الداخلية التي هي في الغالب انعكاس للوضع الدولي – الاقليمي والمحورية الثنائية بين المملكة العربية من جهة وايران من جهة ثانية..
لا رئيس لجمهورية لبنان في المدى المنظور وأي حديث عن توافقات مارونية – مارونية (تحديداً بين «القوات اللبنانية» و«التيار الحر») يبقى في اطار الرغبات والتمنيات، وهو ان أبصر النور فإن عقبات عديدة ستحول دون انجاز هذا التفاهم، من أبرزها ما يحكي عن مقاطعة فريق سياسي وازن («المستقبل») جلسة الانتخاب، الأمر الذي يتجنبه الرئيس بري ولن يدعو الى جلسة يغيب عنها «المكون السني..»، الأمر الذي استدعى تركيز الجهد من جديد على ضرورة تفعيل عمل الحكومة والعمل في كل الاتجاهات من أجل تسهيل عبور جلسات مجلس الوزراء..
في جلسة «الحوار الوطني» الأخيرة، التي عقدت في عين التينة أول من أمس، ذكر الرئيس بري المجتمعين بأنه في «الجلسة الأخيرة من العام الماضي ناقشنا ضرورة تفعيل عمل الحكومة، وأنا شخصياً، بعد الذي جرى في المنطقة (على خلفية اعدام الشيخ النمر والاعتداء على السفارة السعودية في طهران)، وفي الملف الرئاسي لجهة التأخير او التأجيل او التروي، أرى ان تفعيل عمل الحكومة ضروري.. وأنا اعتقد أنه من اليوم لحين موعد جلسة الوزراء، (يوم غد الخميس) ستزول العقبات، خصوصا ان تفعيل عمل المؤسسات يساعد على انتخاب رئيس، وأتمنى ان تحل هذه القضية خلال ثلاثة أيام، واذا كان هناك تحفظات فسنساعد على إزالتها..».
التنسيق بين الرئيس بري ورئيس الحكومة تمام سلام عالي الدرجات، كما توزيع الأدوار.. والاثنان يعرفان جيداً ان هناك مجموعة عقبات تعترض انعقاد جلسة مجلس الوزراء من بينها مواقف رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» (الجنرال السابق) النائب ميشال عون الذي يتمسك بشروطه لجهة الآلية، وأولوية سد الشغور في المؤسسات العسكرية في الجيش وقوى الأمن الداخلي، وتمسكه بأسماء محددة لتعيينها في المواقع الشاغرة المسيحية.. فالرئيس سلام، كما الرئيس بري على قناعة بأن «هناك صراعاً سياسياً في ظل وضع اقليمي غير مستقر بتاتاً، فالتنافس والتقاتل قائمان من دون رحمة، والكل يسأل كيف نحافظ على بلدنا..» لافتاً الى أنه وان كان «الوضع الأمني ممسوكاً… والمؤسسات الأمنية بالمرصاد لمنع الارهاب الى حدود كبيرة.. إلا ان لا يعني أننا ارتحنا من المخاطر الأمنية والارهابية، هذه الخلايا الارهابية النائمة تتوسع..»
وعلى ما كان متوقعاً، ومتفقاً عليه بين الثنائي بري – سلام، فقد توسعت دائرة الاتصالات والمشاورات.. حصل بري على موافقة «حزب الله» حضور الجلسة.. وقام وزير الداخلية نهاد المشنوق بزيارة الرابية والتقى العماد عون.. وكان بحث مستفيض في ضرورة تفعيل عمل الحكومة، مع الأخذ بعين الاعتبار «التحفظات» العونية ومطالب «التيار الحر» الذي يتمسك بحقه في ملء الشغور المسيحي في المواقع العسكرية والأمنية الشاغرة».. وجرى تبادل واضح للرسائل المفعمة بكثير من «التفهم» لمواقف الجنرال، كان من أبرزها ما جرى في جلسة الحوار أول من أمس، ومبادرة رئيس الحكومة الى تبني مواقف وزير الخارجية جبران باسيل في اجتماع وزراء خارجية الدول العربية الاحد الماضي، وامتناعه عن توقيع البيان الختامي، وذلك خلافاً لما ذهب اليه الرئيس سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة.
الواضح، ان طبخة تفعيل عمل الحكومة على «النار الهادئة» سيثمر ايجاباً وقد كشف الرئيس بري أمام جلسة الحوار (أول من أمس) ان الرئيس سلام وضع البنود الخلافية جانباً – هذا مع ملاحظة ان رئيس الحكومة كشف ان هناك أكثر من 500 بند ينتظر الاقرار، وعلى رغم ذلك عمل على وضع 140 بنداً على جدول الأعمال «تتعلق كلها من دون استثناء بمصالح الناس، وهي مواضيع غير سياسية وغير خلافية، وليس هناك من سبب لعدم تمريرها..» على ما قال سلام.
الرئاسة الأولى في «ثلاجة الانتظار» وتفعيل عمل الحكومة انطلق بخطى وئيدة وثابتة.. وحتى اللحظة تبدو الأمور مسهلة.. والجميع متفق على وجوب «تسيير أمور الناس» حيث من غير الممكن ابقاء مصالح البلد متوقفة، ومن غير الممكن الاستمرار في تعطيل المؤسسات «وكل واحد منا يتباكى على البلد..» على ما قال وزير الاتصالات بطرس حرب الذي خلص الى وجوب «ألاّ يغيب عن بالنا التوازن الواجب حصوله بين ان نفعل عمل مجلس الوزراء وألاّ نجعل البلد يعيش من دون رئيس للجمهورية.. فإذا كان تفعيل مجلس الوزراء على حساب انتخاب رئاسة الجمهورية فأننا ضد هذا التفعيل..»؟!
الواضح، وعلى ما تؤكد المعلومات المتداولة بين الاقطاب السياسيين، ان الحديث عن تفاهم ماروني – ماروني، او مسيحي – مسيحي واتفاق على شخص الرئيس العتيد، دونه عقبات عديدة، خصوصاً ما يتم تداوله علنا لجهة ان هناك توجهاً لدى رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع لترشيح رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون، لا يعني بالضرورة ان أبواب بعبدا فتحت أمام «التيار البرتقالي»، تماماً كما أمام رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية الذي جدد لقاءاته مع الرئيس سعد الحريري.. حيث يرى متابعون استحالة وصول عون كما فرنجية الى رئاسة الجمهورية في هذه اللحظة الدولية – الاقليمية – الداخلية.. ما يعني ان الشغور الرئاسي سيتمدد أكثر وأكثر، الى ان يأذن الذين بيدهم القدرة حل العقد.. والغالب أنه سيكون من خارج الأسماء المتداولة.. فتحالف عون – جعجع، على أهميته السياسية ليس كافياً لانجاز هذا الاستحقاق إن لم يكن محصنا كفاية بقرار وطني جامع؟!