بعد ان كان الاتجاه الارجح ان يذهب رئيس الحكومة سعد الحريري نحو تقديم استقالته، التي فرضت عليه من جانب النظام السعودي وتلبية لشروط محمد بن سلمان، فالسؤال الذي يطرح بعد قبول الحريري طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التريث في تقديم استقالته، ما هي الخلفيات والاسباب التي ادت الى هذا التريث، خصوصاً ان بن سلمان كان يعمل في الاسابيع الاخيرة لدفع لبنان نحو الفوضى والفتنة الطائفية؟
في معطيات مصادر وزارية التقت اكثر من مرجع سياسي ان ما دفع الحريري الى العدول عن الاستقالة ولو من خلال اعلانه التريث، كان ثمرة جملة وقائع داخلية وخارجية تحددها المصادر بالاتي:
1- الموقف الصلب الذي عبّر عنه لبنان من موقف الرئيس عون، بالتوازي مع احتضان سياسي وشعبي عبر عنه اكثرية اللبنانيين لموقف رئيس الجمهورية وايضاً رفضاً لما حصل مع الحريري في السعودية، وشعور الاخيرة ان لبنان ليس ورقة صائغة لتستخدمه في صراعها الاقليمي.
2- مواكبة الحراك الداخلي، مع حراك اقليمي – دولي ساهمت فيه بشكل اساسي فرنسا، الى جانب الحراك المصري وحتى الايراني، وكل ذلك بالتزامن مع رفض دولي شبه كامل لتعريض لبنان الى هزات امنية وسياسية وضرب الاستقرار فيه، بحيث ان هذا الحراك من جانب فرنسا ومصر وجهات دولية اخرى مع الرياض اضطرها الى القبول بالتسوية التي اعلنها الحريري من بيروت.
3- جود شبه اجماع لبناني وخارجي على ابقاء الحريري في رئاسة الحكومة، سواء ذهبت الامور نحو الاستقالة، او عاد رئيس الحكومة عنها، ولذلك كان الخيار بما جرى التوصل اليه، خصوصاً ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لعب دوراً محورياً مع ولي عهد السعودية محمد بن سلمان للوصول الى ذلك.
4- ما حصل على المستوى الاقليمي من خلال تمكن كل من الجيش العراقي والجيش السوري بحسم المعركة مع تنظيم «داعش»، وبالتوالي مع وجود توجه دولي للسير بالحل السياسي للازمة السورية، وهو ما جرى بشكل خاص في القمة الروسية – الاميركية والاتصال المطول بين بوتين وترامب قبل ايام، واخيراً الاتفاق الذي حصل في قمة سوتشي بين رؤساء روسيا وتركيا وايران على دفع الحل السياسي في سوريا، دون اسقاط الرسائل الكبرى التي نتجت عن زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى روسيا والقمة التي عقدها مع بوتين.
لذلك، فالسؤال الآخر، ما هي المخارج التي يتوقع ان تذهب اليها الامور لتسوية ما طرحه رئيس الحكومة سعد الحريري حول «سياسة النأي بالنفس» بما يؤدي الى اطلاق عمل الحكومة بشكل طبيعي، والحد من الضغوط السعودية على الحريري؟
وفي معلومات المصادر انه من غير المرجح قيام الرئيس عون بالدعوة الى عقد طاولة حوار تشارك فيها القوى السياسية المشاركة في الحكومة على اعتبار ان اعادة تعويم سياسة النأي بالنفس لا تحتاج الى طاولة حوار كما ان انعقادها اليوم قد يؤدي الى طرح مواضيع وملفات اوسع واكبر مما هو مطلوب، ما سينعكس سلباً على الوضع الداخلي لعدم القدرة على حصول توافق حول مثل هذه الملفات. لذلك توضح المصادر ان ما هو مطروح اليوم – في ظل ما خرجت به المصادر من اجواء عن مراجع سياسية – ان يكون الحراك منطلقاً من الاتي:
– اولاً: ان تكون قاعدة الاتصالات والمشاورات ما كان طرحه رئيس الجمهورية، بخصوص سياسة النأي بالنفس، وما اعلنه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته الاخيرة، من حيث توضيحه لاكثر من مسألة تتعلق بالعدوان السعودي على اليمن او في المعارك التي حصلت في العراق لانهاء «داعش» وما يحصل في سوريا لتطهير ما تبقى من منافذ يسيطر عليها هذا التنظيم.
– ثانياً: ان يكون الاساس في الاتصالات والعطاءات العودة الى مضمون البيان الوزاري للحكومة الحالية وما كان تضمنه بخصوص سياسة النأي بالنفس على اعتبار ان هذه الخلاصة تشكل الجامع المشترك بين كل القوى السياسية.
لذلك تقول المصادر ان كل من الرؤساء الثلاثة سيتحرك في هذا الاتجاه، فالرئيس عون الذي التقى الرئيسين بري والحريري سيواصل اتصالاته مع القوى السياسية حول مضمون سياسة النأي بالنفس، وكذلك الرئيس بري الذي التقى مطولاً الحريري سيجري المزيد من الاتصالات مع قوى سياسية عدة، بالاخص مع حزب الله، وكذلك بالنسبة لرئيس الحكومة من انه لا يستبعد حلول تواصل بهذا الخصوص بين الحريري ومسؤولين في حزب الله مباشرة، او من خلال رعاية عين التينة لاعادة الحوار السابق بين الطرفين.
وعلى هذا الاساس تعتقد المصادر ان الوصول الى مقاربة مشتركة ممكنة جداً، نظراً لوجود العديد من النقاط المشتركة بين الحريري وحزب الله، خصوصاً ان السيد حسن نصر الله ابدى الكثير من الحرص على تحصين الاستقرار الداخلي وابعاد لبنان عن تداعيات ما يحصل في المنطقة، حتى ان الاطراف السياسية التي حللت استقالة الحريري وتماشت مع الابتزاز السعودي من «القوات اللبنانية» الى غيرها لن يتمكنوا من الوقوف في وجه اي اتفاق يراد منه تحصين الاستقرار وعودة الحكومة الى عملها الطبيعي.