Site icon IMLebanon

أحلام الرئاسة «تفرطع» عدّة شغل العهد: عون وباسيل vs طموح المال والعسكر

     

لافتة هي علاقة العهد بحاكم مصرف لبنان والجيش. ففي حين يظهر العهد محكوما بعلاقة مثلثة لا تنقطع، يتحول اي حدث مناسبة ليصبح الحاكم او الجيش في دائرة التساؤلات والتشكيك

 

مع بداية عهد الرئيس ميشال عون، كان واضحاً، له ولفريقه، انه باتت لديه القدرة على ان يحكم بذراع عسكرية، اي الجيش، واقتصادية مع تثبيت علاقته بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فضلا عن اتكائه في شكل فريد على التيار الوطني الحر والوزير جبران باسيل.

بعد ثلاث سنوات على عمر العهد، ثمة تحوّلات كثيرة جرت على خط العلاقة بين عون والطرفين الاقتصادي والعسكري، وأصبح باسيل الرجل الأقوى والأكثر حضوراً ونفوذاً الى جانب رئيس الجمهورية، في مقابل انفراط عقد حلقة المستشارين والوزراء وتغيرهم، وتبدل العلاقة بين القصر – واستطراداً التيار الوطني الحر – مع الطرفين المذكورين. فهل احلام رئاسة الجمهورية، وحدها، هي التي غيرت النظرة الى من كان يعتبرهم عون من عدة الشغل الضرورية؟

في أيار 2017، لم يكن عون قد اكمل ثمانية اشهر في قصر بعبدا حين رفع وزير المال علي حسن خليل، طلب التجديد لحاكم مصرف لبنان للمرة الرابعة بعد 1999 و2005 و2011. كان رئيس تكتل الاصلاح والتغيير أكثر من عبّر عن رفضه لسياسات التجديد المستمرة للحاكم وقادة الجيش ومجلس النواب. لكن عون، في قصر بعبدا، بدّل موقفه، وجدّد للحاكم تحت وطأة التسوية التي فرضت ايقاعاً، اضطر معه، في بداية عهده وتشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري الاولى، الى التزام يلتزم بنودها قبل ان يثبت مع باسيل موقعهما ، ويعيدا النظر في تفاصيلها الصغيرة وتغير شروطها. واذا كان لم يتبق من تلك التسوية سوى الحريري الذي بات موقعه فيها موازياً، بأهميته، لمصير مستقبله السياسي والاقتصادي، ويحتاج اليها اكثر من حاجة عون له، فان عناصر التركيبة الامنية والاقتصادية لم تعد ترضي عون وباسيل.

في المرحلة الأولى من التسوية، لم يتعامل عون مع الحاكم بصفته من تركة العهود الماضية، بل استفاد منه كونه يشكل ضمانة ازاء الدوائر المالية الغربية والاميركية التي يتفاعل معها ولا تكنّ وداً لرئيس الجمهورية، لا سيما مع بروز ملف العقوبات، وقدرة الحاكم على ايجاد مخارج بالتنسيق مع فارضي العقوبات. وهذا امر كان يسمح للحكم بأن يرتاح داخليا. في موازاة ذلك، تم غضّ النظر عن اداء سلامة، بسبب تسويات هندسات مالية لمصلحة ما اصبح يعرف بـ«مصرف العهد»، سيدروس بنك، وتفاصيل اخرى لم تظهر كثيرا الى العلن.

لم تكن التفاعلات النقدية التي جرت اخيرا، هي وحدها ما اثار هواجس عون وباسيل معاً من اداء حاكم مصرف لبنان. إذ أن موقفهما منه مزمن، لكنه – كما في الموقف من رئيس مجلس ادارة طيران الشرق الاوسط محمد الحوت – بات مغلفاً بالحاجة اكثر منه بالرضى عن الاداء. والمفارقة انه كلما زادت حملة الدفاع عن سلامة مع تحميل العهد مسؤولية التدهور النقدي، من اطراف لا يكن لها عون وباسيل ودا، زادت الريبة لدى كليهما من الحاكم. ورغم ان اقتصاديين وخبراء ماليين ابدوا منذ اكثر من سنتين ملاحظات مزمنة على اداء سلامة، ومنهم من فريق باسيل نفسه، الا ان ذلك ظل ضمن اطر محكومة بحاجة الفريقين الى بعضهما بعضاً. وهذا يبدو احيانا كساحة عرض وطلب بينهما، ترتفع حدّته يوماً وتنخفض يوما آخر، وان انعكس سلبا على مسار الوضع الاقتصادي والمعيشي العام.

في المقابل، وعلى وقع محاولة العهد صياغة تركيبة امنية، جاء تعيين جوزف عون قائدا للجيش ومعه مدير المخابرات العميد طوني منصور. وفق ذلك، بدا المشهد الامني متناغماً، لا سيما في ظل العلاقة بين عون والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم. ورغم ان باسيل لم يكن راضيا على اختيار رئيس الجمهورية، الا انه بقي على مسافة منهما ومن تعيينهما، لا سيما انه مدرك تماما ان اي ضابط ماروني يصل الى اليرزة يتحول منذ اللحظة الاولى الى مرشح رئاسي، وهو كان يرغب باختيار ضابط موال له، كما اختار نوابه ووزراءه. لكن، في الاونة الاخيرة، بدأت تظهر تدريجا اعتراضات لدى عون وباسيل على التركيبة العسكرية وليس على الاداء الامني، تطورت الى الحديث عن طرح تغيير المسؤولين، الى ان ظهرت معارضات داخلية وخارجية لهذا التغيير. اضيفت الى ذلك سلسلة ملاحظات لباسيل، لاقت اصداء ايجابية لدى رئيس الجمهورية، ورغبات بحضور باسيلي اقوى في الجهاز العسكري.

 

اي منازلة بين باسيل مرشحا وقائد الجيش، ستضع الفريق العوني في خانة لا يُحسد عليها

لم يؤثر وجود وزير دفاع محسوب على باسيل وحزبه في تخفيف توجهات رئيس التيار ، بل ان العلاقة غير السوية بين فرعي اليرزة، السياسي والعسكري، ساهمت اكثر في تعميق رغبة باسيل في فرض ايقاعه لصالح طلبات محددة لم تترجم عمليا بعد، علما ان بعض الضباط الطموحين بدأوا يولون باسيل الثقة. ناهيك عن السبب الاساسي المتعلق بالعلاقة التي باتت تربط قائد الجيش بواشنطن واستقبالها له اكثر من مرة، في مقابل الامتناع عن استقبال وزير الخارجية. تبعا لذلك، تضيع احيانا كثيرة بوصلة العونيين والموالين للعهد، في انحيازهما الى الجيش او باسيل، حين يصبح الاختيار محكا اساسيا. لان التيار بنى شعبيته على قاعدة الجيش. لكن حادثة قبرشمون، مثلا، جعلت بعض سهام التشكيك العونية تصيب اداء الجيش. واي منازلة بين باسيل مرشحا وقائد الجيش، ستضع الفريق العوني في خانة لا يُحسد عليها.

بذلك، تبدو لافتة علاقة العهد بركنين اساسيين في التركيبة القائمة (المارونية) وهو امر لم تشهده عهود سابقة، لأن مثلث رئيس الجمهورية كان قائما على التنسيق والتفاعل بين الاركان الثلاثة. قد يكون السبب الوحيد، والابرز، ان هذه العلاقة الثلاثية محكومة بلاعب رابع اساسي هو وزير الخارجية، تحت سقف انتخابات رئاسة الجمهورية، لان الثلاثة دخلوا الترشيح الرئاسي من بابه العريض. وباسيل، رغم ملاحظاته، وتغطية رئيس الجمهورية المطلقة له، غير قادر على فرض ايقاع التغيير لدى الموقعين، وابعادهما عن طريق الرئاسة. فولاية الحاكم لا تزال في منتصفها، وهو وقائد الجيش (وان كان لا ولاية محددة له)، لا يمكن استبدالهما الا بموافقة القوى السياسية قاطبة، والاهم موافقة واشنطن. وهي قطعا تنحاز اليهما من دون باسيل. وهذا ما يجعل العلاقة الثلاثية حاليا من باب الضرروة، لا اكثر ولا اقل.