حين تولّى الرئيس الشهابي شارل حلو رئاسة الجمهورية، ظلّ طوال عهده محكوماً بتعامل القوى السياسية مع رئاسته بصفتها استمراراً، طبق الأصل في كل توازناتها، لعهد الرئيس فؤاد شهاب. وعند كل استحقاق كان يواجهه الحلو في عهده، كان ينقسم اللبنانيون حول سؤال: مَن مع أنصار العهد السابق في عهد حلو، ومَن مع خصوم العهد السابق في عهد حلو؟ ولم يطرح مرة سؤال: مَن مع عهد حلو، ومَن مع خصومه؟
ثمّة مَن يرى اليوم، أنّ أزمة عون الاساسية في عهده، تشبه الازمة الاساسية التي واجهها الحلو في عهده، وهي أن لا أحد من القوى السياسية يقول ازاء كل ازمة تحدث مع عهد عون: مَن مع الرئيس عون ومَن ضده، بل مَن مع جبران باسيل ، ومَن ضد باسيل.
خلال الفترة المبكرة من تكليف الحريري حصلت واقعتان، قادت الإعلام الى ابداء الشك بأنّ التسوية الرئاسية التي قامت عليها الحكومة السابقة قد تبدّدت، الواقعة الاولى خروج نادر الحريري من منصب مدير مكتب رئيس الحكومة، والثانية، تسرّب معلومات عن أنّ لقاء باسيل – الحريري في باريس لم يكن إيجابياً. وإثر ذلك ساد انطباع بانه بعد خروج نادر من دائرة الفعل، اصبح باسيل كراقص تانغو في التسوية الرئاسية من دون شريك سنّي.
وخلال زيارة الحريري الاخيرة لعون، كان واضحاً أنه حمل معه أسئلته السياسية عن مناخ التشكيلة، وليس أجوبته التقنية عن التشكيلة المنتظرة. وبعد الاجتماع خرج ليجزم أنّ التسوية الرئاسية لا تزال في خير، وبمعنى آخر ليطمئن الى أنّ تبدُّد ثنائية باسيل ـ نادرالحريري لم تُمتها.
وتعلّل مصادر مطلعة كلام الحريري بأنه بعد تفكّك شراكة جبران ـ نادر، باتت هناك حاجة لدى كل من الحريري وعون الى استرداد التسوية الرئاسية من بين فكّي الشائعة – أوالحقيقة – التي تقول إنّ استمرار هذه التسوية مرهون باستمرار ثنائية جبران ـ نادر لأنهما يحتكران تعبئة الميدان السياسي للعهد ولرئاسة الحكومة.
وبحسب المصادر عينها، فإنّ الاجتماع الأخير بين عون والحريري، كان هدفه محدّداً وهو إعطاء انطباع للرأي العام اللبناني بأنهما استردّا ميدانهما السياسي الخاص ببيئتهما العائلية والحزبية والرئاسية من «الشائعة» التي تقول إنّ «بيت الوسط»- ومعه السراي الحكومي- تحوّلا ميداناً يتنازع فيه انصار نادر الحريري وخصومه. وانّ العهد – ومعه القصر الجمهوري- تحوّلا ايضاً ميداناً يتنازع فيه انصار باسيل وخصومه.
كل المعارك التي دارت حتى الآن من عمر العهد، تمّت في ميدان كانت احداثه مقترنة بسؤال عن مصلحة باسيل فيها: خفض منسوب الاصوات التي فاز بها النائب شامل روكز تمّ النظر اليه من زاوية مصلحة باسيل. خسارة وليد خوري لمصلحة سيمون ابي رميا داخل اللائحة العونية الواحدة كانت لمصلحة باسيل. كل الانتخابات ادّت الى خسارة «التيار البرتقالي» وفوز أنصار باسيل.
وداخل أزمة العهد مع «القوات اللبنانية»، يوجد رأي واسع الانتشار داخلياً وخارجياً، يعتقد أنها ازمة باسيل مع رئيس حزب «القوات» سمير جعجع..
وفي مناسبة تأليف الحكومة، كان فريق من اللبنانيين يسأل هل ستؤلف على أساس التسوية الرئاسية بما يخدم مصلحة استمرار باسيل وثنائيّته مع نادر الحريري. وفريق آخر يسأل هل ستُبنى على اسس جديدة ضد مصلحة باسيل وثنائيّته مع نادر؟
والعلامة الفارقة هي أنّ كل فريق من هذين الفريقين، لم يكن يهتم لأجوبة رئيس الجمهورية ولا أجوبة الرئيس المكلف، بل ينتظر ليرى نتيجة ما يعتبره النزاعَ الحقيقيَّ الدائر خلف واجهتي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة السابق والمكلّف.
وواضح من منظار مراقبين انّ الحريري بعد تقليد نادر «وسام انتهاء مهمّته بنجاح» ، اقترب من إطفاء نار الشائعة التي ترقى الى منزلة الحقيقة، او الحقيقة التي لها انتشار الشائعة التي تقول إنّ «بيت الوسط» وايضاً السراي الحكومي تحوّلا ميدانَ نزاع بين «انصار نادر الحريري المحليين»، و»خصوم نادر المحليين والإقليميين»..
وسرت تسريبات بعد الانتخابات تفيد أنّ عون يتّجه الى استرداد عهده وبعبدا وميدانه السياسي والعائلي والحزبي، فلا يعود مُحتَكَراً بمعادلة النزاع بين خصوم جبران باسيل وأنصاره.
وقالت هذه التسريبات إنّ هناك رأياً لدى حلفاء الحريري، من غير السُنَة وحتى داخل السُنّة»، وهو أن يبادر الى استعادة ميدانه في «بيت الوسط» والسراي الحكومي، من شائعة أنه منقسم بين مَن «مع نادر ومَن ضد نادر»، وليس بين «مَن مع الحريري ومَن ضد الحريري».
والامر نفسه بالنسبة الى عون الذي يتمنّى حلفاؤه منه إستعادة القصر الجمهوري ليصبح ميداناً لمعارك العهد، وليس لمعارك باسيل. وان لا يكون باسيل هو العهد التالي الأهم من عهد عون، مثلما كان فؤاد شهاب هو العهد السابق الأهم من عهد شارل حلو في حينه.
وفيما بدا أنّ الحريري حقق هذه الإستعادة عبر «ترشيد منسوب» دور نادر الحريري في عهود رئاسته للحكومة، فإنّ هناك تسريبات تقول إنّ باسيل نجح مرة أُخرى في إعادة ميدان العهد ليصبح ساحة كرّ وفرّ بين أنصاره وخصومه، وبالتالي ليعود العهدُ محاصَراً داخل سؤال: مَن مع «مستقبل باسيل» في عهد عون ومَن ضد «مستقبل باسيل» في عهد عون؟!