لم يعد معقولاً ولا مقبولاً أن يظل العماد ميشال عون متضامناً مع “حزب الله” في التغيّب عن جلسات انتخاب رئيس للجمهورية خصوصاً بعد تفاهمه مع الدكتور سمير جعجع الذي رشّحه للرئاسة، ولا أن يظل في الخط السياسي للحزب إذا كان قد اختار فعلاً لا قولاً الخط السياسي لحزب “القوات اللبنانية” على أساس ورقة “إعلان النيّات“، وبات عليه أن يختار بين هذه الورقة وورقة التفاهم مع “حزب الله“، وأن يأخذ في الاعتبار مضاعفات وصف الحزب بالارهابي على لبنان بحيث أنه قد لا يعود في الإمكان المشاركة معه في حكومة واحدة سواء تحت عنوان “ربط نزاع” أو المساكنة مع سلاحه وإلاّ تحمّل من يشاركه فيها مسؤولية قرارات الحزب ومواقفه المسيئة لعلاقات لبنان بدول شقيقة وصديقة خصوصاً عندما يتخذها خلافاً لرأي أكثرية الوزراء. كما أن على النائب سليمان فرنجية ألا يظل متضامناً مع “حزب الله” في تغيّبه عن جلسات انتخاب الرئيس فيحرج بتغيبه الرئيس سعد الحريري الذي أيّد ترشيحه للرئاسة. فاذا كان لـ“حزب الله” عذره في التغيب عن جلسات الانتخاب استجابة لرغبة إيران فأي عذر لعون وفرنجية في التغيب وهما غير مرتبطين بخارج كما يقولان، بل عليهما مصارحة “حزب الله” بوجوب حضور جلسة الانتخاب كواجب وطني وترك اللعبة الديموقراطية تأخذ مجراها كما في كل انتخاب رئاسي، وليس الخضوع لقاعدة شاذة تقول: “انتخبوني أو لا انتخاب“، أو “أنا الأكثر تمثيلاً شعبياً” والدستور يقول بأكثرية نيابية لانتخاب رئيس. فسليمان فرنجية (الجد) والياس سركيس عندما تنافسا على الرئاسة لم تكن “الأكثر شعبية من الآخر هي التي تفرض انتخابه وليست الأكثرية النيابية إلا إذا تعدّل الدستور، ولم يلجأ أي منهما الى تعطيل النصاب إذا لم يضمن لنفسه الفوز. فلو أن قاعدة التعطيل اعتمدت في الماضي وسوف تعتمد مستقبلاً فسيبقى الشغور الرئاسي إلى أجل غير معروف كما هو حاصل اليوم. وهذا ما يفرض البحث جداً في وضع حد لهذه القاعدة الشاذة المخالفة للدستور نصاً وروحاً وإلا أصبح في استطاعة أي حزب أو طائفة اللجوء الى سلاح التعطيل إذا لم تتأكد من فوز من تريده رئيساً للجمهورية.
الى ذلك، بات مطلوباً من الرئيس الحريري إعادة النظر في تأييد ترشيحه للنائب فرنجية إذا لم يحضر جلسة الانتخاب وهو مرشح، ومطلوب ذلك أيضاً من الدكتور جعجع إذا ظل مرشّحه العماد عون، وهذا الأخير لا يتضامن معه في حضور الجلسة بل يتضامن مع “حزب الله” في التغيب عنها لأن إيران لا تريد انتخاب رئيس للبنان إلا بعد أن تقبض الثمن وبعد أن تقبض ثمناً أكبر لحل مشكلة سلاح الحزب، وهي المشكلة الكبرى التي تواجه كل رئيس للجمهورية وكل من يكلّف تشكيل حكومة، خصوصاً بعدما اعتُبر الحزب عربياً ودولياً أنه حزب إرهابي، وهذا يضع لبنان أمام خيارات صعبة إذا ما اشترطت أحزاب في لبنان للمشاركة مع الحزب في حكومة واحدة أن يتخلّى عن سلاحه لتزول عنه صفة الارهاب وصفة التسلّط على سلطة الدولة اللبنانية، إذ لا يعود في الإمكان تشكيل حكومة وحدة وطنية يكون الحزب من أركانها إذا ظل محتفظاً بسلاحه ويفرض تساكنه مع سلاح الدولة. ولا بد عندئذ من العودة ولو من قبيل التحسّب لكل طارئ إلى مشروع الفصل بين النيابة والوزارة واستعجال إقراره.
إن مسؤولية استمرار الشغور الرئاسي تقع على “التيار الوطني الحر” ومن معه وعلى “تيار المردة” لأن ليس لهما أجندة خارجية ينفذانها مثل “حزب الله” بل أجندة لبنانية، ولم يعد لهما أي عذر في استمرار تغيبهما عن جلسات الانتخاب في انتظار أن يقرّر ذلك “حزب الله” الذي لا يريد انتخاب حتى أحد حليفيه عون أو فرنجية، ولا السعي لأن ينسحب أحدهما للآخر ليصبح من يقع الاتفاق عليه مرشّح توافق ووفاق، ولا أن يسعى الحزب عن تعذّر التوصّل الى انسحاب أحدهما للآخر وبعد مرور سنتين تقريباً على الشغور الرئاسي وشهرين على ترشّح عون وفرنجية لجعلهما ينسحبان لمرشّح ثالث يكون هو الحل الذي نادى به الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بدعوته الى انتخاب رئيس لا يشكل انتخابه كسراً لأحد، وهذا معناه انه يعتبر ان انتخاب عون او فرنجية للرئاسة هو كسر لطرف إذا لم ينسحب أحدهما للآخر.
أما قول الوزير جبران باسيل أن العماد عون هو الأكثر تمثيلاً لارادة الشعب، وأن النصاب المطلوب هو النصاب الشعبي وليس النصاب النيابي، فهو قول يخالف الدستور نصاً وروحاً، وأن عليه العمل على تعديله وإلا يكون قد خالف أحكامه، عدا أنه قول يشبه قول “حزب الله” عندما وصف الأكثرية النيابية التي فازت بها قوى 14 آذار عام 2009 بأنها ليست أكثرية شعبية. وهذا كلام مخالف أيضاً للدستور، ولو أن هذه القاعدة اعتمدت في الماضي في الانتخابات الرئاسية لما وصل الى قصر بعبدا سوى أحد الثلاثة كميل شمعون وبيار الجميل وريمون إده.
لذلك على “حزب الله” حضور جلسة انتخاب أحد حليفيه عون أو فرنجية، أو جعل أحدهما ينسحب للآخر، أو الاتفاق على مرشح ثالث، وإلا كان الحزب مع العمل على انهيار الجمهورية ليقيم مكانها جمهورية جديدة هي جمهوريته.