Site icon IMLebanon

عون وفرنجيّة… لا إتفاق ولا انسحاب

يفقد العامل الداخلي تأثيره بشكل شبه نهائي في الإستحقاق الرئاسي، فيما يبدو أنّ المعطى المسيحي وإن كان عنصراً مساعداً، خسر دوره حتّى لو إتفق الزعماء الموارنة الأربعة تحت سقف بكركي مجدّداً، نظراً لضعف المسيحيين في اللعبة الشرق أوسطيّة وليس فقط على الساحة اللبنانية.

في شرح لما يجري من أحداث في المنطقة التي تتألّف من مجموعة أقليّات وأكثريّة سنّية، فإنّ السنّة، والشيعة المدعومَين من إيران، يتقاتلان بضراوة، بينما النظام السوري الذي يترأسه علويّ يحظى بدعم روسي وإيراني غير محدود على رغم الخسائر البشريّة التي مُنيت بها تلك الطائفة، فيما يرتّب الدروز أوضاعهم ما بين لبنان وسوريا وإسرائيل. ويتّجه الأكراد لبناء كيانهم المستقل، وتقف إسرائيل متفرّجةً على ما يدور من حروب مذهبيّة.

وسط كلّ هذه المعمعة، يبقى المسيحي المشرقي ضحيّة كلّ هذه الصراعات والحروب، نظراً الى تراجعه ديموغرافياً، وعدم رغبته في القتال، فيما كان التخبّط سمة موارنة لبنان قبل مصالحة معراب في 18 كانون الثاني الماضي.

وفي حين تستمرّ النداءات للإسراع في إنتخاب رئيس للجمهوريّة بتوافق مسيحي، يُبرّر البعض عدم قدرة الموارنة على الإتيان برئيس كما يرغبون، بأنّ المسلمين تاريخياً هم مَن كانوا يرشّحون الرئيس فيما يوافق عليه المسيحيون بعد وصول كلمة السرّ الخارجيّة.

قد تَكون هذه المقولة طبّقت في فترة من الفترات، إلّا أنّ اللعبة الحالية تغيّرت، فمَن كان ينادي بضرورة إتفاق المسيحيين على مرشّح، خرج بعد إتفاق أكبر قوّتين في معراب بفتوى مفادها أنّ هناك مسيحيين آخرين خارجه، وفي حال حصلت أعجوبة وإتفق الأقطاب الأربعة، سيخرج البعض أيضاً ليقول هناك قوى خارج الأحزاب والزعامات، أيْ إنه ظهر للجميع أنّ أحداً لن يعطي موارنة لبنان بعد الآن حقّ إختيار رئيس دولة عربيّة بمفردهم، على رغم عدم ممانعتهم إبقاءَ هذه الرئاسة في يدهم حتّى الآن.

وفي الإنتظار، يتّجه الوضع السياسي نحو مزيدٍ من التعقيد، وبات الكلام عن إجراء حوار بين المرشحَين، رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية تفصيلاً صغيراً لن يؤدّي الى نتيجة حتى لو التقيا مجدّداً.

وترى الأوساط السياسيّة أنّ أيَّ شخص آخر لو كان مكان الرجلين لفَعل الشيء نفسه، وبالتالي لن ينسحب من السباق الرئاسي إذا لم يحصل تغيّر إستراتيجي كبير على مستوى الداخل والمنطقة، فالمرشّح الأوّل، أيْ عون، يتسلّح بالغالبية المسيحية بعد ترشيح «القوّات اللبنانية» له، ويملك أكبر كتلة مسيحية، حيث يشكّل هذان العاملان ممرّاً إلزامياً الى بعبدا حسب إعتقاد البعض، لأنّ أحداً لن يتحمّل الإتيان برئيس يكسر إرادة المسيحيين.

ويحظى عون أيضاً بتأييد «حزب الله» الذي يستطيع فرض إيقاعه على الساحة نظراً لفائض القوّة لديه، وهو يطمح للرئاسة، فلماذا يتخلّى عنها؟

أما المرشّح الثاني، أيْ فرنجية، فإنّه يتحصّن بلقاء بكركي الذي كرّسه قطباً من ضمن الأقطاب الموارنة الأربعة الذين حُصرت الترشيحات بهم، وهو يحظى بتأييد الرئيس سعد الحريري الذي يُكرّر منذ عودته إلى بيروت تمسّكه بترشيحه داعياً جعجع إلى سحب ترشيح عون، بالإضافة إلى تأييد رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط ومعظم المستقلّين، وهو حليف المكوِّنَين الشيعيَّين، «حزب الله» وحركة «امل»، لذلك يعتبر أنّ تخلّيه عن ترشيحه سيعني التخلّي المجاني عن الوصول الى الكرسي الأوّل لصالح إستمرار الفراغ، لذلك لن يُقدم على هذه الخطوة حالياً.

أمّا الإتصالات على خطّ الرابية- بنشعي، فهي مستمرّة عبر وسطاء لكن من دون أن تؤدّي إلى نتيجة حتّى الساعة، خصوصاً بعد تحديد الإصطفافات، فيما لا شيء يمنع الإتصال المباشر لأنّ فرنجيّة كان عضواً في تكتل «التغيير والإصلاح» الذي يرأسه عون وخاضا إنتخابات عامَي 2005 و2009 سوياً، لكنه الآن بات مرشحاً ينافسه على الرئاسة الأولى.

وما يعكس استحالة، أو صعوبة، إنسحاب أحد الرجلين، هو عدم قدرة بكركي على جمعهما وإقناعهما وبالتالي باتت تدعوهما للنزول إلى المجلس النيابي وليفز مَن ينال الأكثريّة، إذ تؤكّد أنّ مساعيها تصطدم بحائط صلب لا يمكن خرقه بأي طريقة، وسط تشبّث غير مسبوق بالمواقف.