«نقزة» من عون وجعجع
الحريري: الأمر ليس لي
بصرف النظر عن كل التسريبات المتعلقة بعقدة حكومية هنا أو هناك، يبدو أن «البلوكاج» العوني ــ القواتي أكثر ما يزعج الرئيس سعد الحريري ويكبّله. الحراك السياسي اليوم في بعبدا وليس في السرايا كما هو العرف، وكأن المعركة التي يخوضها الثنائي «تخطّت مسألة الحقائب والحصص»
لا شيء يبعث على الارتياح عند الرئيس سعد الحريري. ولا «أمل»، على الأقل في الأيام المقبلة، يُبشّر بولادة الحكومة التي كلّفت رئيس تيار المستقبل تسوية الضرورة. كل المؤشرات التي تطفو على السطح من قبل كل الأطراف، تؤكّد ما يُمكن وصفه بالتعنّت السياسي. لكنه يبقى أقل وطأة من «البلوكاج» القواتي ــ العوني، الذي يجعل من الحريري رئيساً مكلّفاً شكلياً، يطوّق عنقه الاتفاق الثنائي بين الرئيس ميشال عون ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع.
الأخير الذي يقود كتلة من ثمانية نواب، يحاول أن يتماهى في صورة «صقر»، محولاً رقمه الضعيف في ترتيب الأحزاب إلى رقم وازن، مطالباً بأربع حقائب أساسية. هذه المطالبة تبدو سهلة، في مقابل تصوير نفسه أنه صاحب الفضل الأول في إنجاح التسوية، فيما الآخرون على الهامش. وهذا التسويق الذي بات أقرب إلى «لازمة»، يجعل التيار الوطني الحر يمنح معراب قوة للمضي في معركة تثبيت ما تعتبره حقاً لها، ويجعل الأزمات الحكومية تتوالى في وجه الرئيس الحريري الذي بدأ يشعر بفقدانه «محرك» الاتصالات.
تعود معراب الى السلطة وهي
غير راضية إلا
بمكافأة كبرى
يتغيّر وجه الحريري يومياً، وينتقل من درجة التفاؤل التي لبسته يوم كُلف تشكيل الحكومة، نحو درجات التشاؤم، التي دفعت به إلى الإيحاء لمن يعنيهم الأمر بأنه يشعر بأن «أوراق التكليف لم تعُد بين يدي». ومع أن الرجل، بحسب أوساطه «لا يرفع المسؤولية عن ثنائي حزب الله وحركة أمل الذي يرفض ظلم حلفائه»، لكنه «بات يشعر بأن الأمور تخطّت مسألة الحقائب والحصص»، ووصلت إلى حدّ «سحب الصلاحيات الموكلة إليه، حيث بات حلّ العقد وربطها، كما الاتصالات السياسية، محطّتها بعبدا وليس السرايا». من الواضح أن ثمّة ما تبدّل. وخلافاً للمرات السابقة، كما تذكر ألسنة المستقبليين، يتم «التعامل مع رئيس الحكومة، من قبل القوات والعونيين، كما لو أنه على هامش التسوية، وليس في صلبها». وهذا ما يجعل دوره كأنه «ثانوي»، ويتيح لهم في بعض النقاط «وضع العصي في الدواليب»، فضلاً عن «خوض الثنائي معركتهما بطريقة مشخصنة، وكأن هناك محاولة للانتقام من كل الذين قالوا لا للجنرال». عند هذه النقطة تحديداً، لا حاجة إلى قول الكثير عن الإبداع القواتي في محاولات العزل والإقصاء، ولا حاجة إلى التساؤل عن التأثير القواتي على العونيين، لأنه لو تسنّت الفرصة لقراءة بعض تفاصيل الاتفاق بين معراب والرابية لربما يُمكن فهم خلفية التعامل مع باقي القوى، من منطلق «سعي ثنائية القوات ــ التيار إلى ترجمة هذا الاتفاق حكومياً، بشكل يؤهّلهما لخوض المعارك السياسية والانتخابية في ما بعد». لكن لماذا الآن؟ طبعاً يعود ذلك إلى «وجود رئيس قوي في بعبدا»، وهذا يعني أنه «ليس في وارد الوقوف متفرجاً، ومجرداً من الحسابات السياسية»، ما يعني أن «حجم مصالحه ليس صغيراً، وغير مرتبط بوزير هنا أو وزير هناك»، وأن «البلاد مع انتخاب عون دخلت في عرف جديد، ربما يصبح معه دور رئيس الحكومة محدوداً»، هذا أولاً. يلحق بهذا العامل «روح قواتية تواقة كل الوقت إلى كسر شوكة كل الأحزاب المسيحية الأخرى، وكأن الزمن هو زمنها وحدها».
لذلك، لا تبدو العلاقة بين الحريري وجعجع «سمناً على عسل»، وإن جهد الطرفان في إظهار العكس. يبقى الماضي حاضراً بينهما، يستخدمه المستقبليون للقول بأن «جعجع لا يزال الحليف الأساسي، في ظل توتر العلاقة بين الحريري والرئيس نبيه برّي من جهة، وعدم تثبيت العلاقة مع التيار الوطني الحرّ». وبالتالي، «لا يريد رئيس الحكومة المكلف تجريد نفسه من كل أجنحته». هذا لا يلغي في أوساط المستقبليين مشهداً فاقعاً، بات يراه هؤلاء «تهديداً». من يستمع إلى أحاديثهم، لا بدّ أن تستوقفه انتقادات لاذعة تجاه معراب، أولها «عدم تسهيلها تشكيل الحكومة، وكأن هناك نيّة لضرب الزخم الذي دخل به الحريري العهد الجديد»؛ ثانيها «عدم احترام البيوتات السياسية، مع علمها بأن الحريري من أكثر المؤيدين لمنح الوزير سليمان فرنجية حقيبة وزارية وازنة»؛ وأخيراً «تجريد الحريري من كونه إحدى أبرز الجهات التي ساهمت في وصول عون الى الرئاسة»، من باب أن «معراب هي من أجبرت الحريري على ترشيح عون، وبالتالي تتصدر هي صورة أول الفاتحين لقصر بعبدا، فيما الحريري أتى متأخراً». هذه الحسابات تجول كثيراً في أوساط تيار المستقبل، في ظل معادلة تضع الحريري في موضع حرج، في اتجاه الرئيس برّي من جهة، ومن جهة أخرى في اتجاه الرئيس عون، وما بينهما «الصديق سليمان بك»، الأمر الذي يمكن أن يكون مكلفاً أكثر من المتوقّع، وخصوصاً في ظل الأطماع القواتية، حيث «تعود معراب الى السلطة وهي غير راضية إلا بمكافأة كبرى، يمكن أن تكون سكيناً ليس على رقبة خصومها في السياسة، بل على الرئيس الحريري نفسه». ينظر رئيس تيار المستقبل إلى تجربة الرئيس تمام سلام الذي أعياه وزيران عونيان لا غير، ويرى مستقبله أمامه: حكومة على رأس طاولتها الجنرال ميشال عون، وحوله كتلة وزارية له، وأخرى للتيار الوطني الحر، وثالثة للقوات اللبنانية!