كان صريحاً جداً رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في اجابته عن الحوار مع رئيس “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون، إذ قال: “نحاول كل ما يمكن لنجاح الحوار مع “التيار”، والمهمة صعبة، فالتراكمات كثيرة”. ولفت الى “ان الاختلاف كبير في ملف الرئاسة، لذا وضعناه جانباً لعدم عرقلة المشاريع الأخرى، وقد اجتزنا جزءاً كبيراً من الحوار”.
وفي تغريدة لاحقة لمناسبة العيد الثمانين لعون الذي صادف امس، قال جعجع معايداً: “أتمنى قبل عيد ميلادك المقبل أن نكون قد أتممنا اتفاقنا الكامل وكل عام وأنت بخير”.
هكذا، وببساطة كلية، أفادنا جعجع بأن أي اتفاق لن يكتمل قبل نحو سنة، خصوصا ان الاختلاف كبير في الملف الاساسي وهو رئاسة الجمهورية. فالعماد عون لم يزر السعودية، ولم يلتق الرئيس سعد الحريري، ولم يشارك وزراء ونواب في “تكتل التغيير والاصلاح” في مهرجان الذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري إلا كرمى لعيون الرئاسة، وهي الفرصة الاخيرة للجنرال الذي سيبلغ السادسة والثمانين إذا مرر ولاية رئاسية لغيره. من هنا يبدو الحوار المسيحي بلا افق، خصوصاً لمن يعرف الرجلين تماماً وما تراكم بينهما على مدى ثلاثين سنة.
وفي مهلة السنة، أو ما يقرب منها، يبدو الفريقان كأنهما يتحاوران خارج المكان والزمان، وكانهما يرسمان خريطة طريق للاستحقاقات المقبلة، التي قد لا تنتظر سنة اذا تحركت مفاوضات واتفاقات في المنطقة، وكلنا نعلم قوة التأثير الخارجي على مجمل الملفات اللبنانية، وخصوصا استحقاق الرئاسة الذي لم يتم مرة من دون ضغوط وتدخلات خارجية، منذ زمن الاستقلال، وما بعده.
وتبيّن التسريبات من هذا الفريق وذاك ان الكلام عن إبعاد الملف الرئاسي عن جوهر المفاوضات مضيعة للوقت. فمصادر “التيار” تعتبر ان لا مانع لدى جعجع من انتخاب عون باتفاق ضمني على مجمل الملفات، ومصادر “القوات” تأمل في موافقة مبطنة من طهران على جعجع رئيساً اذا تقدمت مفاوضاتها مع واشنطن. وهكذا يمضي الرجلان في الحسابات إياها، كل من جهته، وكلاهما يعتبر ان الحوار يبيّض صورته أمام الرأي العام المسيحي واللبناني، وتجاه المجتمع الدولي، فيصير مقبولا اكثر للرئاسة.
ومن غير المعروف ما اذا كان الرجلان يصدقان ان اتفاقهما يمكن ان يحمل الى قصر بعبدا رئيساً في هذه المرحلة من دون تقديم اوراق اعتماد لدى الجهات المؤثرة في الاستحقاق، وهي جهات غير محددة حالياً منذ انتهاء الوصاية السورية على لبنان والتي امسكت بكل مفاصل اللعبة زمناً، ولم يتم الاستعاضة عنها بأي جهة بديلة، بل توزعت موازين القوى في كل المنطقة، وضاعت المرجعية، مما استولد ثورات وحروباً داخلية في غير بلد عربي، من دون القدرة على لجمها أو توفير حلول لها. ولبنان لن يكون الاستثناء.