ترجح مصادر سياسية ان كلاً من زعيمي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لم يكونا بعيدين عن خط الحوار الذي فتح بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه ليس حين عقد اللقاء بينهما في باريس بل منذ بدء النائب السابق غطاس خوري العمل على خط بنشعي قبل شهرين على الاقل حيث يفترض ان ذلك اثار اهتماماً. لكن هذه المصادر تعتقد ان الاثنين لم يعتقدا بامكان سير الحريري بخيار فرنجيه في ظل اقتناع واسع بان المرشحين الاربعة الذين اجتمعوا في بكركي لا فرصة لهم للوصول الى الرئاسة وهم يعطلون بعضهم البعض. فلو ان عون وجعجع لم يكونا على علم بما كان يجري، لكان سهلا عليهما الانتفاض بقوة على حلفائهما كل من جهته لنسف هؤلاء قواعد التحالف وعلى قاعدة ان هناك توافقاً بين السنة والشيعة على نحو غير مباشر ولو ان ” حزب الله” ليس في الواجهة المباشرة لدعم النائب فرنجيه. ويظل ترجيح معرفة عون وجعجع مسبقاً ان هناك حوارا مفتوحا بين الحريري وفرنجيه اخف وطأة من احتمال عدم معرفتهما بما جرى، في ظل تساؤلات اذا كان في امكان الزعيمين المسيحيين رفض ما وضع امامهما من خلال اتفاق على ترشيح فرنجيه يحرج الافرقاء الاخرين من دون ان يسقط شعارات تبنوها خلال سنتين عن الرئيس القوي وصاحب الحيثية الشعبية ما لم يكن ترشيحا لا يحتاج لذلك كترشيح حاكم المصرف المركزي رياض سلامة او قائد الجيش العماد جان قهوجي او النائب السابق جان عبيد اذا تجاوزا شعاراتهما.
يواجه كل من العماد عون والدكتور جعجع ارباكا في احتمال تكرار سيناريو توافقهما على رفض ترشيح مخايل ضاهر تحت عنوان انه فرض من الخارج او من الاخرين. لكن ليس سهلا على كل منهما العودة من حيث اخذ كل منهما قواعده الى القبول بخيار كان مستبعدا كليا على ضوء عدم امكان قبول فرنجيه لانتمائه اكثر من العماد عون الى قوى 8 آذار. وثمة اخطاء جسيمة ترتكب في اطار ما يحصل من مجريات يهمل من خلالها الرأي العام على اساس انه سهل الانقياد الى حيث يأخذه زعماؤه خصوصا ان ثمة تململا كبيرا لدى فئات واسعة من الاتفاق على ترشيح فرنجية. والاستياء من هذا الخيار لا يقتصر على قواعد الحريري فحسب بل على غالبية اللبنانيين الذين لا يفهمون العودة الى خيار المرشح الاقرب من نظام بشار الاسد للرئاسة اللبنانية ما لم يكن هناك خسارة مدوية لفريق 14 آذار وانتصارا فعليا لهذا النظام لا بد ان يستثمره لصالحه، في حين لم ينته الصراع الدولي والاقليمي على بت مصيره. كما يخشى اللبنانيون عودة مشابهة لرئاسة اميل لحود التي كلفت لبنان الكثير تحت عنوانين وهما دعم ” المقاومة ” والالتزام مع النظام السوري، وهما العنوانان اللذان يلتزمهما النائب فرنجيه ايضا ، الامر الذي يحتم في حال اتسم ترشح الزعيم الزغرتاوي بالجدية ان يطمئن اللبنانيين في الدرجة الاولى، وليس فقط زعماء التيارات السياسية او الدول الاقليمية او الخارج، الى رئاسة تطمح ألا تكرر تجربة لحود بالحد الادنى. فمع ان فرنجيه يرتاح البعض لصراحته الفجة وعدم باطنيته كغالبية السياسيين، فان وصوله يشكل عنصرا مقلقا على المستوى الشعبي كما السياسي.
مع ان سيناريو انتخاب فرنجيه في حال ذللت العقبات لن يسمح بأن ينتخب باجماع مجلس النواب على قاعدة ان الهامش الديموقراطي يتيح الا تنتخب القوات اللبنانية فرنجيه التزاما منها عدم انتخاب من هو معارض لخطها وكذلك الامر بالنسبة الى نواب مستقلين وآخرين من تيار المستقبل لا يخفون اعتراضهم القوي لخيار انتخاب فرنجيه، فانه لن يكون سهلا على تيار عون ألا ينتخب هذا الاخير انطلاقا من انه انتصار للمحور او الخط الذي ينتمي اليه ولو ان الاحراج لدى عون انه لا يستطيع ان يشرح لماذا لم يأخذ في الاعتبار ما طلب منه مرارا في ظل استحالة وصوله ان يكون صانع الرئيس او ان يولي اعتبارا لاحتمالات ان يكون فرنجيه هو الخيار الفعلي والنهائي لحليفه ” حزب الله” وليس هو. في حين ان ثمة استحالة امامه للخروج على دعم حليف للرئاسة والذهاب الى خيار تعطيل ذلك او الالتفاف عليه اقله وفق ما ترى المصادر السياسية، وقد وافق مع جعجع والرئيس امين الجميل على تمتع فرنجيه بحظ للرئاسة شأنهم .
حتى الان اصاب خيار ترشيح فرنجيه بشظاياه الرئيس الحريري بالذات كما تياره وقوى 14 آذار بمجملها بمن فيها القوات اللبنانية وذلك نتيجة التنازلات تلو التنازلات غير المفهومة والتي لا يكفي واقع الشغور الرئاسي لتبريرها . كما اصيب العماد عون في العمق ايضا بعدما سقط ترشيحه الذي عد غير توافقي نتيجة تغطيته لـ” حزب الله” سياسياً وتحالفه مع نظام الاسد لمصلحة ترشيح حليف اشد صلابة بالعناوين نفسها. ولا يعد خسارة للحزب ترشيح فرنجيه بدلا من عون ولو انه سيحرج نسبياً في التخلي عن ايصال حليف ولو ان ذلك مبرر تحت وطأة عدم وجود فرصة له بعد اكثر من سنة ونصف من تعطيل الرئاسة بسبب التمسك به. لذلك يحتاج الجميع بعض الوقت لتقبل الفكرة والمساومة على احتمالها حيث امكن وتبليعها للبنانيين ايضاً.