في الاشهر الاخيرة، قام العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع بسلسلة خطوات سياسية، الاول في الداخل والثاني في الخارج. العبرة في ترجمة ما يريده الطرفان وما حققاه
لا تبدو المقارنة بين ما يقوم به كل من القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر عادلة في نظر البعض، ولا سيما ان الطرفين اليوم يعيشان شهر عسل في ظل ورقة اعلان النوايا. خصوم رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع لا يرون في كل خطواته الا السلبيات، وخصوم رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون كذلك، لكن من المفيد وضع بعض الملاحظات على هامش حركة الطرفين منذ اشهر قليلة حتى اليوم.
لا بد للتيار الوطني الحر ان يُجري مراجعة شاملة لما آلت اليه التطورات الداخلية الاخيرة، وللنتائج التي خلصت اليها حركته السياسية منذ شهور، والى ما افضت اليه التظاهرات والمواقف ذات السقوف العالية التي اعلنها العماد عون ورئيس التيار الوزير جبران باسيل.
من وجهة نظر مبدئية وقانونية، كل ما طالب به عون محق: رفضه التمديد للمجلس النيابي ورفضه التمديدين الاول والثاني لقائد الجيش العماد جان قهوجي، وكل ما نادى به اخيراً من مواقف تتعلق بحقوق المسيحيين وبالشراكة الحقيقية وبضرورة اعادة ما اخذ من المسيحيين. كلها مواقف تجد آذانا صاغية في «المجتمع المسيحي»، وحتى لدى حلفاء عون، وفي مقدمهم حزب الله الذي ايد مطالب عون، وابدى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله استعداده لمناقشة افكار اخرى طرحها حليفه في ورقة التفاهم، ولا سيما لجهة ما لوّح به بالذهاب نحو الفدرالية.
ابعد من ذلك، ماذا تحقق حتى الآن من المطالب التي طرحها عون؟
عملياً لم يتحقق اي مطلب. ولعل ذلك اكثر ما يستفز العونيين حين لا تستجاب مطالب رئيس اكبر كتلة نيابية مسيحية، بتضافر جهود الخصوم وبعض الحلفاء.
برغم قوته لم
يتمكن عون من خرق المشهد فيما حافظ جعجع على موقعه
رئاسة الجمهورية ليست في الجيب. ما حدث على طاولة الحوار يعبّر صراحة عن مواقف بعض الاطراف المتحاورين الذين يرفضون رئاسة عون، لكن القصة ليست في الرفض المعروف، بل في طريقة طرح البند على الطاولة، كما في الاقتراحات الآيلة الى استبعاد الرئيس القوي والاتيان برئيس توافقي. كل ذلك يثير استياء عون الذي يشارك في طاولة «تريد استبعاده»، وهو الذي يرى ان مطالبه لا تترجم. فهل يستمر في حوار معروف افقه؟
ما حصل مع القاضي طنوس مشلب يتكرر مع العميد شامل روكز. كل الاطراف تشيد بهما، لكنّ الاثنين لا يصلان الى المنصب المناسب. يقف معه في ضرورة تعيين قائد جديد للجيش، النائب وليد جنبلاط عارضا جملة اقتراحات لحل مشكلة التعيينات وتحديدا اعادة تشكيل المجلس العسكري. ولا يزال يتشبث بموقفه، ثابتاً في موقعه في المربع الاول، لا يرضى حلا الا تعيين قائد للجيش، او في احسن الاحوال قوننة التمديد الثاني لقائد الجيش، في ظل طروحات تتعلق باخراج لائق لوضع روكز، لكن مع اقتراب مهلة تقاعد روكز، ورفض قيادة الجيش اي حل جزئي قد يستفيد منه ضباط على حساب آخرين، وقد يؤدي لاحقاً الى طعن اي ضابط متضرر بالقرار لدى مجلس شورى الدولة، يسقط اول مطلب لعون، فالتمديد اصبح امرا واقعا وتسريح روكز على الابواب.
النقطة الثانية تتعلق بوضع مجلس الوزراء. لا شك ان ما حصل في ملف النفايات، وقرار عون المشاركة في الجلسة الأخيرة بنصف فريقه الوزاري، (وقبلها الانسحاب من الجلسة التي مررت فيها قرارات مالية)، كسرت الى حد كبير قرار التكتل تجميد اعمال مجلس الوزراء الا بعد تحقيق مطالب التكتل. ومحصلة الاشهر الاخيرة لا تعطي التكتل نقاطا اضافية او تسجل له ايجابيات، ما خلا فك الحوار مع المستقبل، واعلان النوايا مع القوات. غير ذلك لم يخرق عون، رغم التظاهرة الكبيرة التي قام بها مناصروه، المشهد السياسي العام. علما انه يتمتع بدعم حليف قوي هو حزب الله، ونصرالله لم يوفر مناسبة الا اعلن دعمه له فيها، بخلاف ما يحصل على جبهة القوات اللبنانية، حيث اشار جعجع بنفسه في آخر اطلالة تلفزيونية الى الخلاف مع المستقبل على تعيين مجلس ادارة مرفأ طرابلس وانتخابات نقابة الاسنان.
يحلو لجعجع دوما ان يؤكد حلفه مع المستقبل، ومع الرئيس سعد الحريري تحديدا، لكن جعجع نأى بنفسه، في خطابه في ذكرى شهداء القوات اللبنانية، عن المستقبل وقوى 14 آذار حين اعلنها ثورة على الفساد من اينما اتى من 8 او 14 آذار. لا يتمتع جعجع بما تمتع به عون من دخوله الى السلطة القائمة، ولا سيما في عهد الرئيس ميشال سليمان. يقول احد السياسيين «في ذلك العهد حكم التحالف الرباعي زائداً عون». اما جعجع، فبقي خارج معادلة السلطة وتقاسم الحصص الوزارية.
فعلياً، ظل جعجع في قلب المعادلة السياسية وخارجها في الوقت ذاته. المرة الوحيدة التي دخل فيها في تفاصيل اللعبة الداخلية كانت حين فاوض وناقش في قانون الانتخاب. لم يقترب من زواريب التفاصيل المحلية، لا في التعيينات ولا في المياومين ولا في الكهرباء ولا سلسلة الرتب والرواتب والايجارات وغيرها من الملفات اليومية التي تحصد «مع» او «ضد». حلفه مع الحريري يخضع لسقف التأكيدات المتتالية بأنه حلف ثابت، لكن ما دون السقف حدّث ولا حرج، وان نفى الطرفان ذلك. لم يحصل جعجع من السلطة القائمة على اي شيء، اخرج نفسه من الحكومة ومن الحوار، نأى بنفسه عن كل حساسية داخلية، لبنانية او مسيحية، حتى انه لم يمانع تعيين روكز قائدا للجيش حين سئل. طوى الماضي بكل ابعاده حين اعلن ورقة اعلان النوايا وزار الرابية.
في هذه الزيارة ابعد جعجع القوات عن التجاذبات الداخلية، ما خلا عناوين عريضة وثوابت يتحدث بها، كتشريع الضرورة، من دون ان ينزل الى الشارع ويتظاهر. رغم ذلك خرق جعجع المشهد السياسي العام مرتين في زيارته السعودية ومن ثم قطر. في الزيارتين حقق نتائج ايجابية قد تثير استياء اقرب حلفائه، اي المستقبل. اعتراف عربي خليجي بدوره وبموقعه كرئيس حزب القوات اللبنانية لا كركن في قوى 14 آذار. قد يحلو لاخصامه انتقاد الزيارتين والجولات الخليجية برمتها، لكن اطلالة جعجع العربية، تعطيه بعدا مختلفا، يترجم تدريجا، في مقابل ثبات وضعه الداخلي. مرتاح جعجع لورقة اعلان النوايا ويطمئن لعلاقته وطي خصومة الماضي مع العونيين، وينأى بنفسه عن كل فساد ومحاصصة وسلطة.