IMLebanon

عون وجعجع التقيا وأعلنا النوايا… ماذا بعد؟

أن تأتي الأمور متأخرة خيرٌ من ان لا تأتي ابداً. هذا ما يصح قوله في اللقاء الذي انعقد في الرابية بين «الضدّين» العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع بعد انتظار طويل، ولكن رغم تأخره، يظل وهجه ووقعه وتأثيره ايجابي على معنويات المسيحيين ومناخهم العام.

مما لا شك فيه ان لقاء الرابية أحدث موجة ارتياح عارمة في المجتمع المسيحي المتلهف لرؤية عون وجعجع يلتقيان ويتحاوران في خطوة ترتقي إلى مستوى المرحلة والتحديات الراهنة بعد ثلاثون سنة من الصراعات المريرة والمكلفة.

لقاء الرابية هو خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح ويدل إلى انطلاقة جيدة للحوار بين جعجع وعون وإلى توافر الظروف الموضوعية والارادة عند الطرفين لطيّ صفحة الماضي نهائياً والانطلاق في علاقة جديدة ومتجددة على اسس ثابتة وواضحة… وقد تم قطع شوط مهم ومتقدم في اتجاه إعادة بناء الثقة التي ظلت مفقودة على امتداد ثلاث عقود وحان الوقت لاستردادها ورد اعتبارها، لأن جزءاً أساسياً من المشكلة المزمنة بين عون وجعجع يتصل «بأزمة الثقة»، ولان استعادة الثقة بين الطرفين تمرّ عبر استعادة كل طرف مصداقيته السياسية ومصالحته مع ذاته ومع الرأي العام وهذا لا يكون إلا عبر حوار جديّ وهادف ومنتج.

البدايات والمؤشرات مشجعة وإيجابية وتدل إلى ان «التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية» لا يريدان حرق المراحل وحواراً للحوار ويدركان ان الظرف دقيق وخطير ولا يحتمل مناورات وتذاكياً وتحايلاً على الواقع. فما جرى على امتداد الاشهر الخمسة الماضية من حوار هادىء ومعمّق أوصل إلى ورقة اعلان النيات وتمّ انجاز المرحلة الاولى للحوار والذي سيكون اختباراً للنيات والاستعدادات.

سار الحوار بخطى بطيئة ولكنها ثابتة ومدروسة. وخلصت المرحلة الأولى إلى وضع اساس سياسي متين لعلاقة سياسية صعبة المراس عبر «ورقة النوايا» التي لا يمكن الاستخفاف بمضمونها والتقليل من شأنها لأنها تختزن وتختزل العناوين والمبادىء والملفات الاساسية التي تهم المسيحيين وتعنيهم في واقعهم ومستقبلهم من اتفاق الطائف وتصحيح مساره إلى قانون الانتخابات والمناصفة الفعلية والشراكة الحقيقية في الحكم إلى اللامركزية الادارية والمالية الموسعة وقانون استعادة الجنسية، إلى علاقات لبنان العربية والدولية غير المرتبطة بمحاور ومشاريع اقليمية والملتزمة المواثيق والقرارات الدولية.

«ورقة النوايا» إنجاز لا يمكن تسخيفه أو تجاهله، وبرنامج عمل يصلح لأن يكون برنامج حكم مثلما يمكن ان يكون نواة مشروع سياسي جامع للقوى والاحزاب المسيحية. ولكن المهم الآن هو ان لا تتوقف الأمور عند هذا الحدّ ويتم الاكتفاء بهذا الاعلان وانما يجب ان يُبنى على لقاء الرابية وايجابياته لتطوير العلاقة ودفعها إلى مستويات أعلى وأشمل. وهذا يتطلب بالدرجة الأولى ترجمة النيّات إلى خطوات عملية ونقلها من حيّز التنظير إلى حيّز التنفيذ.

ليست المشكلة في أن الحوار بين التيار والقوات تأخر. بل فان المشكلة الحقيقية تكون إذا تعثر الحوار وفشل في تحقيق اهدافه وتبين ان «العشق» بينهما ممنوع وليس مسموح. إذ ذاك ستكون انتكاسة مسيحية كبيرة وعودة مريرة إلى اجواء الخيبة والاحباط، فالمسيحيون ما عادوا يتحملون خيبات واخفاقات جديدة. ولذلك فان مسؤولية كل من العماد عون والدكتور جعجع بعد لقائهما الناجح في الرابية، تبدو كبيرة وهما مدركان تماماً ان لا رجعة إلى الوراء في علاقتهما الجديدة وان الفرصة المتاحة لهما معاً في انتشال الوضع المسيحي من القعر هي فرصة نادرة وأخيرة وإذا هُدرت فانها لا تعود ولا تعوّض.

التوقف عند هذا الحدّ وعدم تطوير تجربة الحوار و«النوم على حرير» لقاء الرابية، يعني تبديد فرصة ذهبية وقوة دفع معنوية وسياسية يحتاجها المسيحيون. والتعاطي مع لقاء الرابية ينبغي ان يكون على أساس انه نقطة بداية لمرحلة جديدة وليس نقطة نهاية لمرحلة ماضية، والترجمة العملية لذلك تكون عبر الخطوات والمبادرات التالية:

أولاً: محاولة تحريك الملف الرئاسي لاخراج أزمة رئاسة الجمهورية من حال «المراوحة في الفراغ». ومع يقيننا ان هذا الملف في جزء كبير منه اقليمي ودولي، وانه ليس مسؤولية مسيحية فقط ولا يجب ان يلقى على عاتق المسيحيين لوحدهم، إلا انه يبقى بالرغم من كل ذلك موضوع يعنيهم ويخصهم اكثر من اي طائفة وفريق سياسي آخر.

وإذا كان الرئيس القوي هو مطلب مسيحي فان تعليق رئاسة الجمهورية وتجميدها بسبب ظروف واعتبارات تحول دون انتخابات الرئيس القوي أمر لا يجوز ولا يمكن ان يستمر. وبات البحث عن مخرج وتسوية بعد سنة من الانتظار والمراوحة ضرورة, وذلك بالانتقال إلى مرحلة البحث عن رئيس توافقي لمقاربة الاستحقاق الرئاسي من زاوية واقعية.

ليست المشكلة في تأييد الرئيس القوي. بل ان المشكلة هي في الامكانية والقدرة على الاتيان بهذا الرئيس وايصاله إلى قصر بعبدا. فاذا لم نكن قادرين على ذلك لاسباب وظروف داخلية واقليمية، علينا التنازل لمصلحة الرئيس التوافقي الذي لا يعني ابداً انه الرئيس الضغيف إذا توافر التفاف مسيحي ووطني حوله.

ثانياً: الاعداد من الآن لقانون انتخابات جديد يؤمن ما نصت عليه ورقة النوايا من مناصفة فعلية وتمثيل شعبي صحيح ومشاركة حقيقية في الحكم. فلا يجب استنفاد الوقت المتاح حالياً وترك الموضوع حتى اللحظات الاخيرة وحشره في زاوية الأمر الواقع والخيار بين سيء وأسوأ. فاذا اتفق التيار والقوات على قانون الانتخابات بالتنسيق والتشاور مع سائر القوى السياسية والحزبية، تكون قد تحققت الخطوة العملية الأولى على طريق اقرار قانون جديد يعيد التوازن السياسي والوطني.

ثالثاً: وضع تصور لما ستكون عليه العلاقة بين التيار والقوات في المرحلة المقبلة ولما ستكون عليه حكومة ما بعد الانتخابات الرئاسية التي ستكون حكومة شراكة بين الطرفين وحكومة اختبار لعلاقتهما ولقدرتهما على إيجاد آليات عمل وتنسيق مواقف وعلى تكوين مركز قرار مسيحي في الحكم يكون فاعلاً ومؤشراً في صنع القرارات والسياسات.

رابعاً: استقطاب كل القوى المسيحية الاخرى واشراكها في عملية صنع القرارات والمشاريع والخطط والابتعاد عن أي نزعة استئثار بالقرار المسيحي أو احتكاره ومصادرته، وكذلك استكمال المصالحة الموعودة والمرجوة ايضاً بين «القوات اللبنانية وتيار المردة» لاقفال آخر الملفات السوداء والحزينة بين المسيحيين.

خامساً: ارسال إشارات ورسائل إلى الشركاء المسلمين في الوطن بان الشراكة المسيحية – المسيحية ليست ابداً البديل عن الشراكة الوطنية المسيحية – الاسلامية، وان تقوية الدور المسيحي في لبنان يصبّ في مصلحة لبنان وخدمة رسالته ودوره في المنطقة، وان للمسلمين مصلحة في هذا الوجود والدور الفعليين وفي ان يحثوا المسيحيين ويشجعونهم على التقارب والاتفاق فيما بينهم.

سادساً: وضع آليات حوار وتواصل بين «القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ» على كافة المستويات وفي كل المجالات لتعميم حالة الحوار والتلاقي وقبول الآخر وتطويرها، مع إيلاء اهمية خاصة للقاءات مباشرة تعقد بين العماد عون والدكتور جعجع كلما دعت الحاجة والضرورة، لأن لقاءات كهذه تختصر المسافات الزمنية والسياسية وتعطي نتائج سريعة ومضمونة، والأهم انها تشيع اجواء ارتياح على مستوى القواعد الشعبية المتلهّفة إلى رؤية التلاقي بعد طول فراق والمتعطشة إلى ما يعزز القدرات والمعنويات المسيحية في زمن العواصف والحروب الاقليمية وفي حقبة التحديات والمخاطر الوجودية والتحولات الجذرية التي يُعاد فيها رسم خارطة المنطقة الجغرافية بالدم والنار…

في الختام لا بد من توجيه تحية الى «صانعيّ الاعلان» الذين عملوا بجهد وتصميم واخلاص واصرار لانجاح هذه الخطوة المهمة النائب ابراهيم كنعان والسيد ملحم رياشي والتوجه اليهما بالتهنئة وللقول لهما لا تستكينوا واصلوا عملكم ، هذه هي مصلحتنا كمسيحيين، ولنضم صوتنا الى صوت الصديق النبيه و«السريع البديهة» موفق حرب الذي رشحهما »لجائزة نوبل للسلام» وهي كلمات معبرة جدآ ولو اتت على طريقته الظريفة.

ش