«الرئاسة في لبنان متعلقة بالخارج وليس بنا لاننا شعب غير ناضج وغير مسؤول، وهذا المشهد لا يزال عالقاً في اذهاننا منذ عقود»، هكذا يبدأ مصدر ديني مسيحي بالتحدث لـ «الديار» ويقول: «التوافق على الموقع الاول يعود الى الافرقاء الاقليمييّن والدولييّن، ومن ضمنهم ايران والسعودية، مما يعني لا رأي للمسؤولين اللبنانيين في إنتخاب رئيسهم وهذا معيب ومخجل جداً، لكن الذنب ذنبنا لاننا نسمح لهؤلاء بالتدخل في شؤوننا، وهذه عادة موجودة في لبنان ولن نتخلّص منها وهذا مؤكد».
ويلفت الى ان وصول اي مرشح الى الرئاسة ومهما علا شأنه لن يغيّر شيئاً، اذ لا قوة لدى احد على التغيّير، لانه لن يصل بقوته، مشيراً الى وجود سعي لدى البعض لإقامة مؤتمر تأسيسي بهدف المثالثة او المداورة في رئاسة الجمهورية، اي توزيع جديد للسلطات، ورأى أن اي رئيس سيصل في الوقت الراهن سيكون ضعيفاً، وبالتالي لا بوادر حل للازمة الرئاسية إلا بعد إيجاد مخارج لكل ازمات المنطقة، اي من خلال سلّة متكاملة تنهي كل تلك الصراعات.
وعن رأيه بمصالحة عون- جعجع وإمكانية ان تؤدي الى انتخاب رئيس، اشار الى ان توقيت المصالحة اتى من الخارج اي ضمن لعبة اقليمية – دولية، معتبراً أن اول إنتكاسة سياسية بينهما ستؤدي الى فرط هذه المصالحة، لان هذا هو المطلوب اي بأن لا تفيد اكثر من ذلك، املاً ان توصل هذه المصالحة الى ابعد من ذلك بكثير بهدف مصلحة المسيحيين، وقال: «إضعاف الجمهورية يعني إضعاف المسيحييّن وموقعهم في لبنان، وهذه امنية لدى البعض ونحن نساعده على تحقيقها من خلال إنقسامنا كمسيحيين»، مذكّراً بإستياء الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ومجلس المطارنة من الانقسام المسيحي حول موقع الرئاسة، وعدم الاتفاق على مرشح واحد مقبول من اكثرية الاطراف، ومن الخوف على مصير الموقع الاول، خصوصاً انهم تعبوا من كثرة مناداتهم بضرورة إنتخاب رئيس للجمهورية، لان القصة تتكرّر مع كل رئيس وهذا مرفوض، فنحن نريد جمهورية فاعلة وقادرة على إتخاذ القرارات الحاسمة التي تعطي لبنان مفهوم الدولة الحقيقية، معتبراً ان ما نشهده اليوم يؤكد لنا وجود فريق لا يريد قيام جمهورية فعلية، بل يريد مشهد جمهورية يساعده على تحقيق ما يسعى اليه، مستغرباً أفعال مَن حمل لواء الدفاع عن حقوق المسيحيين على مدى سنوات، وأكد بأن هذا التصرّف يضعف الجمهورية ويستنزف الموقع المسيحي، وصولا الى استجلاب تدخلات أجنبية وخارجية للانتهاء برئيس تسوية، أي رئيس لا يأخذ قراراً. وشدّد المصدر الديني على ضرورة عدم تحويل الشغور في رئاسة الجمهورية الى فراغ في كل المؤسسات اللبنانية، لاننا سنفقد حينها لبنان الدولة بالتأكيد.
وسأل لماذا يصّر البعض على اعتماد سياسة التعطيل دائماً في الكثير من الاستحقاقات؟ ففي العام 2008 تم تعطيل الانتخابات الرئاسية ولم تحصل إلا بعد مشاهد مأساوية، ثم حصل شغور على خط التأليف الحكومي كما تجري العادة مع كل تشكيلة حكومية، بعدها حصل الخلاف على القانون الانتحابي فإنتهى بالتمديد للمجلس النيابي، وصولاً لقصة ابريق الزيت الحكومية التي إستمرت لأكثر من 11 شهراً لتشكيلها، امتداداً الى الشغور الرئاسي اليوم، مما يؤكد بأننا لم نصل بعد الى حكم انفسنا وهذا مخجل، اذ آن الاوان ان يجلس الجميع من دون إستثناء حول طاولة مستديرة للبحث في مخاطر عدم إنتخاب رئيس جديد، والاستماع بروّية الى كلام البطريرك الراعي، وملاقاة صرخته في ظل كل ما يجري من ازمات سياسية وامنية واقتصادية على الساحة اللبنانية، لافتاً الى ان القرار لم يعد لبنانياً بفضل السياسييّن المنقسمين دائماً والمنتظرين موافقة السعودية وايران وغيرهما من الدول الفاعلة في الشرق الاوسط والغرب، او بمعنى ان لبنان ينتظر الضوء الاخضر في شتى المسائل المتعلقة به من تلك الدول، وقال: «المطلوب وسط كل هذا الخراب السياسي الذي نشهده قرارات جذرية في كل الملفات».
ورداً على سؤال حول مدى الاخطار التي تحّدق بلبنان اليوم جراء ما يجري في محيطه، اشار المصدر الديني الى ان الاخطار كبيرة وحقيقية، لكن «إعلان بعبدا» الذي اطلقه رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان ودعا خلاله الى ضرورة ان يبقى لبنان يمنأى عن الصراع الاقليمي، وان يكون على الحياد لتجنّب كل هذه الويلات هو الحل الانسب لوضع البلد حالياً، املاً ان يُطبّق هذا الاعلان ويسير به الجميع كحل، لاننا نرفض بشدة ان يتحوّل لبنان الى وطن ايراني او سعودي، فنحن نريد لبنان الوطن اللبناني فقط لا غير، ونريد ان نعيش مع شركائنا في الوطن، مما يعني انه علينا جميعاً ان نناضل كي يعود لبنان لؤلؤة هذا الشرق .
وحول صعوبة تحقيق كل هذا وسط الانقسامات السائدة حالياً، قال: «اذا اردنا فعلياً ان نخلّص لبنان من هذه المصاعب، علينا ان نكون يداً واحدة كلبنانييّن وكمسيحيّين لان دورنا كبير واساسي، لذا علينا ان نتذكّر كيف كنا عندما تم وضع الميثاق الوطني»، وختم: «هنالك خطر كبير اليوم على هوية لبنان وعلى الجميع ان يعي ذلك».