Site icon IMLebanon

عون وجعجع يستهلكان الوقت

 

لن يُعقد اللقاء بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع قريباً جداً. وعلى عكس الأجواء التي سادت مع إعلان بدء التفاوض بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» لجهة استعجال عقدِه وأنّه بات وشيكاً، ما جعلَ التخمينات ترجّح حصوله قبل انتهاء العام الماضي، فإنّ الأمور أصبحَت أكثر ترَوّياً ولو أنّ مبدأ اللقاء لا يزال قائماً ولكن وفق لحظة سياسية مناسبة لا تبدو وشيكة.

لم تكن المفاوضات الحاليّة بين الحزبَين المسيحيّين هي المحاولة الوحيدة. إذ سبَقتها محاولات عدّة منذ العام 1988 وحتى اليوم، باءت كلّها بالفشل تحت وطأة النزاع على النفوذ والإمساك بقرار التمثيل المسيحي.

قبل اتّفاق الطائف كان لهذا المنطق ما يبرّره في ظلّ السلطة الواسعة المعطاة للمسيحيين داخل الدولة. ولكن بعد كارثة «حرب الإلغاء» عام 1989 والتي قضَت على الأرجحيّة المسيحية داخل السلطة إلى الأبد، ومن ثمّ تراجع الحضور التمثيلي والسياسي للمسيحيين، لم يعُد مفهوماً هذا النزاع وفقَ المنطق السياسي سوى من زاوية الانسياق والتطوّع في معارك الآخرين على قاعدة الحِقد والكره الكبيرَين بينهما.

لكن ثمّة عوامل تبَدّلت وألزمَت بتعديل في الحسابات ولو أنّ الحذر هو الغالب والشكوك لا تزال قائمة. فالمنطقة على عتبة مرحلة جديدة عنوانُها التفاهم الأميركي – الإيراني من خلال الاتّفاق النووي، والأصحّ ملحقاته السرّية.

إضافةً إلى أنّ المرحلة المقبلة هي مرحلة رعاية المتغيّرات التي ستصيب الخريطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط على وقع الحرب المعلَنة ضدّ التنظيمات الإسلامية المتطرّفة، وهو ما سمحَ بالحوار بين «المستقبل» و»حزب الله». ما يعني بصورة أو بأخرى فشلَ الرهان السياسي الذي كان يحمله جعجع منذ العام 2005.

وفيما وجَد النائب وليد جنبلاط الحلَّ بتوريث تيمور، فإنّ رئيس «القوات» آثرَ التحرّك من خلال نافذة الحوار مع عون ووفق العنوان الذي ما برحَت تنادي به الساحة المسيحية، وهو التفاهم ووقف التناحر.

في المقابل، فإنّ عون الذي يدرك جيّداً أنّه يخوض آخر معاركه الرئاسية، يعمل على استنفاد كلّ فرَصِه حتى تلك التي تبدو مستحيلة، وهو الذي يهوى أساساً خوضَ المعارك المستحيلة.

وقد يكون عون يراهن على إلزام الآخرين بوصوله إلى قصر بعبدا بعد انتزاعه تأييدَ «القوات»، وبالتالي تبنّي «الإرادة المسيحية» لهذا الترشيح. لكنّ الحماسة التي غلبَت على عون مع تدشين خط الحوار بين الرابية ومعراب قد تكون تراجعَت بعض الشيء وأصبحَت أكثر واقعيّة، ولو أنّ قرارَه لا يزال بخَوض هذه التجربة حتى النهاية.

ذلك أنّ جعجع حاربَ بقوّة وصولَ عون إلى قصر بعبدا، بدءاً من العام 1988 حين كانت المعادلة القائمة تسمح له بوضع «فيتو» على ثلاثة أسماء: سليمان فرنجية وريمون إده وميشال عون، مروراً بمحطة العام 2008 ووصولاً إلى 2014 ونجاح عون في استمالة الرئيس سعد الحريري وانتزاع موافقته قبل أن يعيدَ الرفض السعودي الأمور إلى نقطة الصفر.

وجعجع الذي كان قد قدّم ترشيحَه لأهداف عدّة منها قطعُ الطريق على عون، توتّرَت علاقتُه بحلفائه في تيار «المستقبل» لرفضِه الحوارَ مع عون من أساسه. وفي زيارته الأخيرة إلى السعودية، جَدّدَ جعجع معارضته القوية وصولَ عون إلى الرئاسة مع السعي إلى عرقلةِ وصول مرشّح آخر.

وفي خضَمّ النقاش الدائر عبر قناة التواصل بينهما، تُطرَح نقاط كثيرة تكاد تكون شاملةً مع تمَهُّل الطرفين في طرح بند الاستحقاق الرئاسي. فالحوار يشمل ما هو إقليمي ويتّصل بالعلاقات مع المحاور الإقليمية والملف السوري ليصل إلى الملفّات اللبنانية، وفي طليعتها «حزب الله» وسلاحه والتوازنات داخل مؤسّسات الدولة بدءاً من السياسية مروراً بالأمنية وانتهاءً بالوظيفية.

وحاليّاً يتطرّق الطرَفان إلى قانونٍ للانتخابات يسمح للشارع المسيحي بإيصال ممثّليه الحقيقيّين، وإذا كان «الأرثوذكسي» غير قابل للولادة، فالبحث جارٍ عن صيغة تكون مشابهة له وتسمح بالوصول إلى الهدف.

إعلان التفاهم حيال كلّ هذه النقاط لا بدّ من أن يحصل في ختام اللقاء الذي سيجمع عون بجعجع، وقد تكون هذه الذريعة التي تسمح بتأجيل حصوله. لكن الحقيقة مختلفة.

فالعماد عون كان يريد إشارة واضحة من جعجع لجهة تأييده ترشُّحَه، تسبق حصولَ اللقاء. أمّا جعجع فقد ألمحَ إلى أنّ قراراً بهذا الحجم يحتاج إلى جلسةٍ ثنائية وأسئلة دقيقة، لكنّه لم يعطِ مرّةً إشارة مشجّعة في هذا الإطار. بما يعني أنّ عون وجعجع يدركان جيّداً أنّ اللقاء في حال حصولِه سيكون يتيماً، كونه سيحمل حقيقة المواقف.

من هنا يريد جعجع تأخيرَ حصول اللقاء – الحقيقة ليتزامنَ مع تطوّرات خارجية تفرض حصولَ الانتخابات الرئاسية، حتى يصبح هدف اللقاء مشاركة عون في اختيار البديل، وهو هدفه المركزي. فيما عون لا يمانع في تأخير حصول اللقاء لكي لا يصل إلى لحظة الحقيقة، وهو الذي لا يزال يأمل من موقف جعجع ولو بنسبةٍ أقلّ من السابق.

ويدرك الفريقان أنّ في استمرار الحوار إلغاءً أو تقزيماً لأدوار «الحلفاء» المسيحيين، وهما لا يمانعان في ذلك.