حسناً، تم اللقاء أخيراً. ولكن صدمة الصورة بما حملته من إيجابيات يجب ألا تطغى على “ورقة النيات”، والسؤال الطبيعي بعد “لقاء القمة” بين “الطرفين الأقوى على الساحة المسيحية” سياسياً وحزبياً هو: ماذا بعد؟ وما هي الخطوة التالية؟
السؤال أكثر من ضروري وملح، والإجابة عنه تعني اللبنانيين جميعاً، وإن يكن المسيحيون معنيين بها أكثر من غيرهم، وقد عانوا الأمرّين من صراعات طرفي اللقاء ميشال عون وسمير جعجع ولا سيما في ما عرف بـ”حرب التحرير” ولاحقاً “حرب الإلغاء”. المهم أن اللقاء حصل، ويشكّل خطوة متقدمة جداً على طريق التفاهم على الخطوات التي تلي عادة إعلان النيات… الحوار، أياً يكن، يبقى خطوة محمودة ومشكورة وحضارية، وعدواها يجب أن تنتقل الى الجميع. لا أحد يستطيع أن يلغي الآخر في لبنان، هكذا علمتنا التجارب على مرّ السنين، وكل محاولات الإلغاء باءت بالفشل، وكل محاولات جديدة لن تكون نتائجها سوى خسائر بشرية ومادية والمزيد من الشيء نفسه… تضييق الخناق على الوطن والمواطن، ومنع قيام دولة بكل ما تعنيه من مؤسسات. والأهمّ هو الوصول الى نتائج عملية وايجابية، وهذا لن يكون متيسّراً إلا من خلال سلسلة خطوات، أولاها إعلان فهم مشترك للعناوين العامة التي تضمنتها “ورقة النيات”، بدءاً بالتفاهم على الخطوة الأولى وهي وضع حد للفراغ في رئاسة الجمهورية وانتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت، وهنا من يقنع الآخر؟ هل يتمكن “الحكيم” من إقناع الجنرال بوقف مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس وتعطيل نصابها القانوني؟ هل يتمكن الجنرال من إقناع “الحكيم” بأن “الفراغ أفضل من رئيس غير قوي” وبأن “التأجيل أفضل للمسيحيين” في انتظار تأمين الظروف الملائمة لوصول “رئيس قوي ومقبول في بيئته وقادر على طمأنة المكونات الأخرى والإيفاء بقسمه وبالتزامات الرئاسة بما يؤمن الشراكة الفعلية الميثاقية والمصلحة الوطنية” كما ورد في “الورقة”؟
في الشكل، يبدو جعجع الرابح الأكبر من اللقاء الذي كرّسه نداً لـ”الأقوى” أقله قياساً بحجم كتلته النيابية، وهو عون الذي لن يكون الرابح الأكبر إلا إذا تمكن من إقناع جعجع بتأييده لرئاسة الجمهورية!
لا يختلف إثنان في لبنان على كل عناوين “الورقة”، “التزام نهج الحوار، الإيمان بلبنان وطناً نهائياً سيداً حراً مستقلاً… التزام مرتكزات وثيقة الوفاق الوطني واحترام الدستور، إيجاد حل لمشكلة النزوح السوري، ضرورة إقرار قانون جديد للانتخاب يراعي المناصفة وصحة التمثيل”…
وأما عند التطبيق فسيكون على موقّعي “الورقة” التفاهم على تفاصيل أهم بكثير من العناوين، وليس أقلها طبيعة قانون الانتخاب، تطبيق ما اتفق عليه حول طاولة الحوار، بل على فهم مشترك لـ”مصلحة لبنان” التي يقرأها كل على طريقته ووفق حساباته وتحالفاته…
وأخيراً، بمجرد “ظهور” سمير جعجع في الرابية، مقرّ إقامة عون، سجل ممثلا الطرفين النائب ابرهيم كنعان ورئيس جهاز التواصل والاعلام في حزب “القوات” الزميل ملحم رياشي، انجازاً، وكذلك من سعوا الى مجرّد اللقاء، في مراحل سابقة وأبرزهم رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن. الطرفان كانا في حاجة الى اللقاء، فقد ضجر من خلافاتهم المسيحيون والموارنة خصوصاً…
لا فائدة من “إعلان نيات” إذا لم يتوافر حسن النيات… وفي النهاية “إنما الأعمال بالنيات”!