لم تكن العلاقة بين الجنرال ميشال عون والشيخ سعد الحريري على ما يرام منذ انتخابات «تسونامي» التي حقق فيها الاول الرقم المسيحي الصعب وبنى عليه منذ تلك الايام وحتى اليوم.
ولا شك ان التفاهم الذي وقعه عون مع امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله قد رسم خطاً خلافياً تصاعدياً مع الحريري، خصوصا بعد اتساع الهوة بين تيار المستقبل وحزب الله. ولم تحصل مساحات تقارب بينهما الا لاعتبارات مصلحية تتصل ببعض الملفات او باسباب خارجية.
وبعد فترة من الغزل والتقارب يعود الجفاء التدريجي الى العلاقة بين الرابية وبين الوسط بعد ان تبخرت الآمال والوعود المتبادلة بين الطرفين، مع العلم ان هناك حرصاً من قيادة التيارين على عدم قطع خيط التواصل الذي يتولاه من جانب المستقبل الوزير نهاد المشنوق.
ماذا يجري على خط هذه العلاقة اليوم؟
يشعر العماد عون بخيبة امل شديدة لأن العلاقة مع الحريري لم ترتق الى مستوى المصالحة الحقيقية او المصالح المشتركة وبقيت تتراوح منذ الانفتاح بينهما بين الهدنة والتطبيع.
كان «الجنرال» يعوّل على سياسة فتح الابواب الكاملة مع الحريري بعد ان شعر ان هناك اشارات ايجابية واضحة من المملكة العربية السعودية لصالح هذا التواصل والانفتاح، وكان يدرك ان مثل هذه الخطوة تعتبر رصيداً مهماً لتعزيز حظوظه في الوصول الى بعبدا.
وبرأي اوساط متابعة لحركة الطرفين ان عون سلك مسلكين في آن واحد، فانفتح بطريقة لافتة على المملكة العربية السعودية من خلال الحركة الناشطة التي قام بها صهره الوزير جبران باسيل، ومد خطوط التواصل مع المستقبل ورئيسه. وفي المسلكين تحققت خطوات سريعة ومشجعة جعلته يتفاءل بنتائج مهمة على كل الصعد وأولها الاستحقاق الرئاسي.
وتقول الاوساط ان السعودية شجعت الحريري آنذاك على الاندفاع باتجاه تعزيز التواصل مع عون لكسبه لما له من موقع وتأثير اساسي على الساحة المسيحية من جهة، عدا عن انه بتحالفه مع حزب الله يشكل له غطاء مسيحيا قويا يزيد من قوته الشعبية والسياسية.
وحاول الحريري يومها طمأنة، حلفائه المسيحيين في 14 آذار وفي مقدمهم الدكتور سمير جعجع بان الانفتاح على عون لن يكون على حسابهما لكنه كان مستعدا في الوقت نفسه بتشجيع من السعودية ايضا ان يذهب بالعلاقة مع «الجنرال» الى افضل الحالات مقابل شرط واحد ووحيد وهو تخليه عن تحالفه مع حزب الله او على الاقل تخفيف حجم هذا التحالف بالنسبة التي تجعله محرر من كثير من الالتزامات تجاه الحزب.
وتقول الاوساط ان عون كان منذ البداية حذرا تجاه هذا المطلب لكنه وعد بان يرتقي في العلاقة مع الحريري، اذا ما سارت الامور بشكل ايجابي خصوصا في شأن رئاسة الجمهورية، الى مستوى جيد جدا وربما الى مستوى وثيقة التحالف مع حزب الله.
وبادر الحريري يومها ايضا الى التلميح بتأييد عون في الوصول الى قصر بعبدا لكنه ربط ذلك بامرين: ان يؤمن الجنرال المناخ المسيحي المناسب بما في ذلك التقرب والتقارب مع الخصوم المسيحيين، وان يتخلى عن اولوية العلاقة مع حزب الله.
وكان رئيس «المستقبل» يعكس في موقفه هذا رأي السعودية، تؤكد الاوساط، التي اخذت قراراً من البداية بانها لن تدعم عون في الوصول الى الرئاسة الا اذا سلم كل سلاحه التحالفي وصار في مقلب آخر.
ومن الطبيعي ان يتصرف «الجنرال» بحذر لانه لا يريد او يقبل ان يشتري السمك في الماء، خصوصا ان الرياض في تلك الفترة ارجأت البت في مسألة استقباله، وفضلت ان تتريث قبل ان تحزم امرها تجاه الانفتاح عليه.
ورغم هذا الحذر المتبادل فقد حرص الجانبان عون والحريري على الاستمرار في التواصل والتقارب، حتى ان اندماجهما في هذا الدور والمناخ جعل جعجع يتوجس من مصير هذا الانفتاح، ويبعث الى حليفه غير مرة رسائل شكوى ملغومة بنكهات تحذيرية.
وتخلل فترة التقارب والتطبيع والاجتماعات المشتركة مراحل غزل قوية بين الطرفين تضيف الاوساط، ترجمت احيانا على صعيد العمل داخل المجلس النيابي والحكومة والتعاطي مع بعض الملفات.
ومع مرور الوقت اخذ هذا التقارب يضمحل ويتلاشى، وشعر عون انه وقع في فخ الوعود العرقوبية لا سيما بعدما اتّضح له ان الحريري مارس المناورة في الوعود الرئاسية الى ان صدر موقف 14 آذار الداعي الى انتخاب مرشح وفاقي على حسابه وحساب جعجع.
وزادت خيبة «الجنرال» عندما تأكد مؤخراً ان السعودية لا تحبّذ وصوله الى الرئاسة بل تضع «فيتو» عليه، واكتشف انه صرف جهداً ووقتاً ثمينين في اتجاه ومسار غير مثمر. لكنه حرص في الوقت نفسه على ابقاء حالة التطبيع وعدم فتح النار على الحريري او المملكة.
وبدوره رأى «المستقبل» ومن خلفه المملكة السعودية انه صرف وقتاً ثميناً في محاولة اقناع عون الانتقال من ضفّة الى ضفّة سياسية أخرى قبل ان ينال «المكرمات» السياسية وربما الرئاسية، لكنه لم يأخذ منه لا حقا ولا باطلا».
وفي الآونة الأخيرة زاد منسوب الجفاء بين «المستقبل» والتيار الوطني الحرّ بسبب تراجع الحريري عن وعده لعون بدعم وصول صهره العميد شامل روكز الى قيادة الجيش، ومبادرة الجنرال على خلفية مشكلة التعيينات الامنية الى شل الحكومة.
وما ساهم في زيادة صبّ الزيت على النار هو استغلال صقور «المستقبل» هذا المناخ السلبي لفتح النار بقوة على عون وتياره مثلما يفعلون بحق حزب الله للتصعيد في وجه حوار عين التينة.
ولأن الحريري لا يريد الذهاب في مثل هذا التصعيد الى حدود القطيعة والتصادم، فانه يقف الى جانب المنحى الذي سلكه الوزير نهاد المشنوق بابقاء الابواب مفتوحة مع الرابية ان كان في علاقة مأزومة وغير منتجة.