IMLebanon

عون يندفع والحريري أمام ثلاثة احتمالات

أن يأخذ الملف السوري حيّزاً واسعاً من نقاشات ومشاورات الزعماء المشاركين في قمة الدول العشرين في الصين، فهذا يعني أنّ ثمّة إقراراً دولياً واسعاً بضرورة حصر النار في سوريا والعمل على إيجاد التسويات.

خلال الأسابيع الماضية تسارعت الإشارات إلى قرب التفاهم على صيغة حلّ حول سوريا. ومن أبرز هذه الإشارات على الاطلاق السلوك التركي الجديد لناحية التقارب الى حدود التحالف مع روسيا ومن ثمّ مع إيران، والتنسيق الأمني مع النظام السوري والإعلان عن الاستعداد للتطبيع معه وصولاً الى الدخول العسكري الى جرابلس والمنطقة المحيطة بمباركة دولية وإقليمية ولو ضمنية في مقابل إقفال الحدود في وجه «داعش».

ورغم المواقف الدولية المتفائلة والتي واكبت هذه المتغيّرات الكبرى، لكنّ الصورة بقيت ضبابية مع السلوك الإيراني المعاكس. صحيح أنّ التحوّل التركي تقاطع مع المصلحة الإيرانية وأدى الى تقطيع أوصال الشريط الكردي وبالتالي ضرب إمكانية إنشاء الدولة الكردية. وصحيح أيضاً أنّ إغلاق الحدود التركية في وجه الإمدادات العسكرية الى سوريا سهّل على الجيش السوري وحلفائه إطباق الحصار مجدداً على معارضي النظام في شرق حلب إلّا أنّ حسابات إيران أبعد بكثير ولا تتطابق كثيراً مع دعاة التسوية السورية في هذه المرحلة.

فعلى الصعيد العسكري، تسعى دمشق ومعها حلفاؤها الى السيطرة العسكرية الكاملة على حلب. وما يشجّعها في هذا المجال:

أولاً، تدهور معنويات التنظيمات المعارضة التي مُنيت بخسائر بشرية كبيرة عندما نجَحت في فك الحصار أخيراً.

ثانياً، إنّ تركيا باتت خاضعة لمعادلة ميدانية جديدة في سوريا مع دخولها المباشر الى قلب الميدان السوري، وبالتالي التزامها قطع كل أشكال دعمها للمعارضين في حلب.

ثالثاً، التسويات التي أدّت سابقاً وتحت وطأة الحصار الى انسحاب المسلحين ودخول الجيش النظامي إليها في بعض المناطق مثل داريا، والظروف الحالية في حلب باتت مشابهة.

رابعاً: إنّ احتمال اقتحام حلب الشرقية يصبح قائماً بعد مرور بعض الوقت ونفاذ الطعام والذخائر، ولكنّ هذا الاحتمال يحتاج لبعض الوقت ولو أنّ التحضيرات الجدية له بدأت على مستوى التدريبات والمسائل اللوجستية.

لكنّ «مكسب» حلب العسكري ليس هو السبب الوحيد لاعتراض طهران على تمرير التسوية الآن. فحلب ستعطي أرجحية كبيرة في المعادلة الميدانية يمكن ترجمتها بشكل افضل في المعادلة السياسية، إلّا أنّ غموض الدور التركي وكيفية استغلاله لاحقاً من واشنطن ضدّ إيران يجعل طهران في موقع المتمهّل والمطالب بالتزامات قوية قبل سلوك درب إقرار التسويات، لذلك رفعت سقف التراشق الإعلامي مع السعودية ووجّه حلفاؤها صاروخاً بالستياً الى العمق السعودي، وهو ما جعل البعض يخشى أن توجّه هذه الصواريخ الى مدن اساسية في العمق السعودي.

لكنّ إيران تريد انتظار جلاء الصورة الانتخابية في الولايات المتحدة الأميركية. ويعتقد البعض أنّ طهران تتوقع أو ربما تفضل وصول دونالد ترامب ما يعني استعادة ساحات الحروب في الشرق الأوسط. وقد يكون في حسابات الفريق المحافظ الايراني أنّ الشروع في تسوية سياسية الآن هو نوع من المغامرة غير المحسوبة والقابلة للانهيار مع وصول ترامب الى البيت الابيض. أما في حال وصول هيلاري كلينتون، لا بد من استكشاف آفاق سياسة الإدارة الجديدة وعندها تصبح احتمالات الدخول في تسوية أكبر وأكثر واقعية.

وفي ظلّ هذا التأزم الاقليمي الذي سيتصاعد خلال الاشهر المقبلة على ما يبدو، دخل لبنان مرحلة متقدّمة من عدم الاتزان والفوضى السياسية.

كانت ملامح الانفجار بدأت تتجمّع عقب تراجع الرئيس سعد الحريري عن التزاماته تجاه العماد ميشال عون، والتي كان من المفترض أن تؤدي الى انتخابه في الثامن من آب الماضي. يومها اصطدم الحريري بمعارضة السعودية وتزامن ذلك مع إنهاء خدمات السفير علي عواض عسيري بشكل مفاجئ، وهو الذي شارك الحريري في مفاوضاته مع عون.

لا شك في أنّ عون تشاور مع حليفه «حزب الله» قبل أن يُقرّر الشروع في مساره التصعيدي والمتدرّج، وقد تكون نقطة الاصطدام مسألة التعيينات العسكرية، إلّا أنّ أفق التصعيد واسعة وأبعد من العناوين السياسية المطروحة حالياً، والهدف قد يكون إحداث الفوضى وهزّ الاستقرار لإجبار المجتمع الدولي على وضع الملف اللبناني على الطاولة ودفع السعودية ومعها الفريق السنّي إلى الموافقة على انتخاب عون، وإلّا فإنّ سلوك درب الفوضى وتدحرج الامور بشكل أسرع بدءاً من شهر شباط المقبل موعد انتهاء المهل القانونية للانتخابات النيابية، سيعني سلوك المجهول.

في المقابل، يبدو وضع الحريري صعباً، وهو يقف أمام احتمال من ثلاثة:

الأول: البقاء حيث هو ما سيؤدي الى مزيد من التفكّك والاستنزاف في ظلّ أزمة مالية تزداد تفاقماً ووعود حلّها تتبدّد في كلّ مرة. وبالتالي الوصول الى الانتخابات النيابية في أسوأ وضع وظروف والنتيجة صعبة.

الثاني: إدارة الظهر للسعودية والذهاب إلى إنتخاب عون وبالتالي الإمساك برئاسة الحكومة وبعض وزارات الخدمات. ويقول المتحمّسون لهذا الخيار إنّ الغضب في الشارع السنّي والذي سيظهر بداية سيعود ويتحوّل تأييداً بسبب حاجة الناس الى الخدمات، وبالتالي الوصول الى الانتخابات النيابية في ظروف أفضل. لكنّ معارضي هذا الخيار وهم أكثرية يعتقدون أنّ الشارع السنّي لن يسامح الحريري، وأنّ المدة القصيرة الفاصلة عن موعد الانتخابات لن تسمح للحريري بالاستفادة شعبياً من الوزارات. أضف الى ذلك وجود رموز سنّية ستحتمي بالموقف السعودي للانقضاض على الحريري طمعاً برئاسة حكومة ما بعد الانتخابات.

الثالث: يقوم على الانسحاب من طاولات الحوار على اشكالها والاستقالة من الحكومة وانتهاج خطاب تصعيدي في وجه «حزب الله» ما سيسمح باستعادة عصبية سنّية تقود إلى خوض انتخابات نيابية ناجحة وتعوّض عن الازمة المالية.

ويمكن تبيان أيّ خيار سيرسو على الحريري من خلال الأزمة الحكومية الحالية. فالرئيس تمام سلام يُهدّد بأنّ استقالته لم تعد بعيدة ما يعني سلوك الخيار الثالث والاندفاع في سياسة هجومية وملاقاة «التيار الوطني الحر» في منتصف الطريق، ربّما في انتظار تدخل خارجي يفرضه الوضع المتدهور ويؤدّي الى فرض حلول تريح الأطراف الداخلية من الحرج.

لكنّ «حزب الله» الذي أظهرَ تمايزاً عن عون، مبدِياً حرصَه على الاستقرار الحكومي، لا يبدو وكأنّه مستعدّ للذهاب إلى المجهول، فمصلحته تقضي بضمان استقرار الحكومة، كما أنّها تقضي بإبقاء الاستقرار الداخلي في لبنان لكي يؤمّن ظهر مقاتليه في سوريا.