مع انشغال الافرقاء اللبنانيين كافة في الملفات والقضايا الداخلية، والموزعة بين انجاز الموازنة العامة للدولة بعد غياب لأكثر من عشر سنوات، والبحث في سلسلة الرتب والرواتب والغوص في غمار الاعداد لصيغة قانون جديد للانتخابات النيابية التي باتت على الأبواب، بين ايار وحزيران المقبلين، كما والمخاطر الأمنية التي تهدد البلد من الداخل، كما عبر الممرات غير القانونية على الحدود البرية، عادت العلاقات اللبنانية – الرسمية مع العديد من الدول العربية، وتحديداً الخليجية، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة الى الواجهة من جديد، مصحوبة بكثير من السيناريوات والدوافع والاحتمالات المقلقة.. يعزوها البعض الى ما جاء على لسان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عشية زيارته الى مصر، قبل نحو شهر، واشادته بسلاح «حزب الله» وضرورته، كما وبحملة «حزب الله» الاعلامية والسياسية على السعودية وملكها وسائر قادتها، من غير حساب لما يمكن ان يحدثه ذلك من تداعيات، وقد أظهرت المملكة صبراً على مسبوق.
الذين راجعوا قيادة «حزب الله» بهذه المسألة لم يحصلوا على أية نتائج او وعود بوقف هذه الحملات لا مصلحة للبنان واللبنانيين فيها وهي تعود على لبنان بالكثير من النتائج السلبية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً عشرات وعشرات آلاف اللبنانيين العاملين في سائر دول الخليج، (من جميع الطوائف والمذاهب) يوفرون لعائلاتهم وللبنان لقمة العيش الكريمة ومردوداً مالياً بالغ الأهمية..
لم يعد سراً ان اشادة الرئيس العماد عون بسلاح «حزب الله»، تركت امتعاضاً لدى العديد من الدول العربية، وتحديداً الخليجية، كما لدى العديد من الدول الغربية.. خصوصاً وأن ذلك جاء متقاطعاً مع طلات الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله، وحملته على السعودية وقادتها، كما وعلى غالبية دول الخليج التي ردّت على هذه الافتراءات والحملات باجراءات من بينها وضع «حزب الله» على لائحة المنظمات الموصوفة «إرهابية»، وتجميد الهبة التي كات مقررة للجيش اللبناني والقوى الأمنية بثلاثة مليارات دولار، أضيفت اليها هبة مليار بواسطة الرئيس سعد الحريري..
لم يكن وقع ذلك سهلاً على لبنان الذي أمامه سلسلة من الاستحقاقات البالغة الأهمية، وهو يحتاج الى دعم ورعاية عربية خصوصاً خليجية، وهو على أبواب الصيف، وقد برزت الى الوجود اشارات تفيد ان لبنان في مأزق حقيقي ولا بد من عمل ما لاخراجه من هذا المأزق وابعاد تداعياته عن الداخل بأقصى حد ممكن.. وبحسب معلومات فإنه من السابق لأوانه الجزم بتحقيق خطوات ايجابية..
في قناعة مصادر وزارية مقربة من رئاسة الجمهورية، فإن ما قاله الرئيس العماد عون «فهم خطأ» وهو لم يشد بسلاح «حزب الله»; كيفما كان وإينما كان، بل في مواجهة العدو الاسرائيلي ودوره، خصوصاً ان امكانات الجيش اللبناني متواضعة ولا تؤهله لدور المواجهة المطلوب.. وقد بادر الرئيس عون مباشرة وعبر موفدين لايضاح ما عناه في حديثه الاعلامي..
وسط هذه الصورة المستجدة، وعلى رغم انشغال الافرقاء اللبنانيين الممسكين بزمام السلطة في البلد في حلحلة القضايا والملفات العالقة منذ سنوات، فإن الأنظار تتجه الى القمة العربية المقرر انعقادها في العاصمة الاردنية – عمان أواخر الشهر الجاري، وما سيكون عليه موقف لبنان الرسمي وكيف وبمن سيتمثل.. خصوصاً وأن اشارات دالة أكدت ان لبنان لن يغيب عن المداولات، لاسيما بعد «التحفظ» على «بند التضامن مع الجمهورية اللبنانية» بالكامل على ما نقلت «وكالة الأنباء المركزية» أول من أمس عن مصادر ديبلوماسية، معللة الأمر بما تضمنه موقف رئيس الجمهورية (العماد عون) ازاء «حزب الله» وهجوم نصر الله على السعودية ودول الخليج.. من دون ان يعني هذا اقفال الأبواب في وجه أي مبادرة، خصوصاً «وأن لبنان تمكن بعد سلسلة اتصالات اجراها في الساعات الأخيرة من الحصول على «وعود بالخير» نقلها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير..
سيحضر لبنان القمة العربية ممثلاً برئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، وهما يظهران تماسكاً لافتاً في ادارة البلد، وان كلمة لبنان في القمة العربية سيلقيها رئيس الجمهورية وهي ستكون مبنية على ما ورد في «خطاب القسم» وفي «البيان الوزاري» مع تأكيد لبنان النأي بالنفس عن الصراعات والقضايا الداخلية في سائر دول الجوار.. مع التشديد على ضرورة التزام «إسرائيل بالقرارات الدولية، وتحديداً القرار رقم ١٧٠١ الذي التزم به لبنان ولم تلتزم به «إسرائيل» التي أدمنت خرق السيادة اللبنانية يومياً، جواً وبراً وبحراً، ورفضت الخروج مما تبقى من أراض لبنانية محتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وهذه مسألة تتطلب تضامناً عربياً.. كما تتطلب من سائر الدول تعزيز قدرات الجيش اللبناني ليكون مؤهلاً وقادراً على مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية بما قد يؤدي الى سحب المبررات التي يستند اليها لتبرير بقاء «السلاح غير الشرعي»؟!
أما جانب تدخل «حزب الله» في سوريا وغير سوريا، فإن أوساطاً متابعة ترى ان هذه المسألة بالغة التعقيد وليس في امكان الحزب الخروج منها – في هذه المرحلة، حتى لو أراد.. وقد ذكرت مصادر متابعة بمداخلة الرئيس فؤاد السنيورة في جلسة الحوار الثانية في ١٦ أيلول ٢٠١٥، وقال فيها: «البعض يعطي لنفسه حق التدخل في سوريا، وهو بذلك إما يقوم عملياً بخرق السيادة والدستور وهو لا يقوم بخرق لسيادة لبنان فقط، ولكن كذلك أيضاً بخرق سيادة سوريا.. دون ان يكلف نفسه عناء سؤال او استئذان شريكه في الوطن وغير عابىء بما قد يجره عمله هذا على لبنان واللبنانيين من مخاطر كبيرة..»؟!