قد لا يكون مفاجئاً ان يساوي سمير جعجع بين «داعش» وحزب الله ليجعلهما وجهان لعملة واحدة هي الارهاب، ولكن المفاجىء ان يسير وليد جنبلاط عكس التيار في مقاربة مخاطر «داعش» و«النصرة» وفي تحييدهما او على الاقل في تقليل مخاطرهما على الداخل اللبناني، فمؤخراً بلغت المواقف الجنبلاطية المعبرة عن كيفية تفكير الدرزي بـ«تنظيم الدولة الإسلامية» حداً لا يطاق ولا يجد تبريراً وتفسيراً، إلا ان جنبلاط خائف ولكنه اضاع البوصلة، وهو يظن ان مهادنة الارهابيين والابتعاد عن ضوضاء معاركهم وبطشهم يقي طائفة الموحدين الدروز شر بليتهم وما يمكن ان ينعكس على الدروز اللبنانيين والسوريين ايضاً، فلدى «النصرة» و«داعش» عسكريين اسرى على الحدود الشرقية فيما المناطق الدرزية في سوريا تحت رحمة سكين الدولة الإسلامية.
والعارفون في خفايا كواليس المختارة ومن يترددون على الزعيم الدرزي يعطونه كل المبررات، فخوفه كبير من المرحلة وبالتالي لا بد من تحييد النفس ريثما تنجلي الصورة الإقليمية، حتى ان مخاوفه لا تقل عن الهواجس التي تعيشها الرابية والتي تستعجل الرئاسة تحسباً للآتي الأعظم الذي قد يلحق بالمسيحيين اللبنانيين بعدما وصل السكين الارهابي الى رقاب الأشوريين السوريين.
بعيداً عما يقال على المنابر يمكن القول بحسب مصادر متابعة، ان زعيم المختارة ومعه زعيم الرابية هم الأكثر توجساً وتخوفاً من إرهاب «داعش»، فبالنسبة الى رئيس القوات قد ينخفض منسوب المخاوف كثيراً عن زعيم الرابية عندما يرى جعجع ان «داعش» كذبة كبيرة وهي ليست القوة التي يعتد بها، والمستقبل أدرك متأخراً كثيراً بعدما فلتت الامور على الساحة السنية ان التنظيم الإرهابي موجود فعلاً وفاعل بقوة على الأرض اللبنانية، وحدهما وليد جنبلاط وميشال عون في البداية كانا الأكثر استشعاراً بإرهاب «داعش» وتغلغلها وقوتها على الساحة الداخلية، وطبعاً لا تجوز المقارنة بموقف حزب الله الذي ذهب لقتال التنظيمات الإرهابية على الأرض السورية اقتناعاً منه ان «داعش» سيأتي الى لبنان عاجلاً ام آجلاً، فكان لا بد من مؤازرة النظام الحليف لمنع تمدد وزحف «داعش» الى لبنان.
واقع الامور ان «تنظيم الدولة الإسلامية» في العراق والتحولات الكبيرة هي التي جعلت البيك الدرزي يدور على نفسه آلاف المرات قبل ان يخطو اولى خطواته الى حارة حريك ليتبعها الى الرابية وبنشعي، بحسب المصادر، والتنظيم الإرهابي نفسه جعل ميشال عون قادراً ربما لأول مرة في تاريخه ان يفهم على وليد جنبلاط وان يتشارك معه في وجهة النظر والمقاربة السياسية ذاتها.
اما لماذا يبدو الجنرال والبيك الدرزي الأكثر تخوفاً من «داعش» ومشتقاتها ولماذا تختلف مقاربتهما للمسألة في الظاهر، فللموضوع صلة كما تقول اوساط سياسية متابعة لشخصية الزعيمين وقراءتهما للأحداث والتحولات السياسية في المنطقة وهما الأكثر تماساً مع تلك التحولات.
ليس سراً ان جنبلاط لديه «فوبيا» الأقليات ويتخوف من تحولها الى وقود للحرب المشتعلة ولصراعات الأمم، فها هي المسيحية تندثر في العراق وفي سوريا فيما الدروز والمسيحيين في لبنان هنود حمر نسبة الى شعار جنبلاط الذي اطلقه منذ سنوات وقبل ان يطل شبح «داعش». اما الجنرال الذي يفهم بلغة العسكر والقتال، فهو الى جانب ما يعتقده بان ثمة من يسعى الى تطبيق مخطط كيسنجر الذي يكاد ان يصبح على مشارف النهاية، يدرك حجم «داعش» وقوتها العسكرية وبطشها ولا إنسانيتها، وخطر تنظيم «داعش» على لبنان والمنطقة.
سبق لجنبلاط ان استشعر خطر «داعش» وبأن سيقتلع الأقليات في حال نجاحه وعدم إيقافه فسارع الى مصالحاته السياسية من الرابية الى الحارة والى بنشعي تحسباً للآتي ألأعظم انطلاقاً من مقولة ان الإرهاب كان سيأتي الى المنطقة سواء شارك حزب الله في الحرب السورية او لم يفعل وبالتالي لا يجب الغوص في تفصيل من استجلب «داعش» إذا كان المقصود به الإشارة الى حزب الله.
وبخلاف الزعيم الدرزي الذي تأخر عن الرابية في السير وراء خيارات حزب الله في ما خص القتال في سوريا، فان الجنرال يسير «مغمض العينيين» وراء مقاومة حزب الله لإسرائيل من جهة وللمنظمات الإرهابية، فرئيس تكتل الإصلاح والتغيير كان السباق لمنع التطرف من التمدد الى الداخل اللبناني بمطالبته المزمنة بضبط الحدود ووقف تدفق النازحين السوريين وبمراقبة مخيمات النازحين في المناطق، وعون كما يقول العارفون كان يتطلع الى عدم وقف معركة عرسال للقضاء على المسلحين وهو مع النظرية القائلة بعدم جواز التفاوض مع المسلحين الإرهابيين على اعتبار ان الجيش لا يفاوض الإرهابيين، كما ان زعيم الرابية مد اليد لسمير جعجع من اجل تحصين الساحة المسيحة ونبذ الخلافات للوصول الى استراتيجية موحدة والاتفاق حول الرئاسة تحسباً للمرحلة بعدما بدأت الغيوم السوداء تتجمع في الأفق اللبناني.