الرئاسة وقيادة الجيش في «أحجية» المختارة
عون وجنبلاط: تواصل الاحتياط في زمن الانتظار
كان يلزم العماد ميشال عون تسع سنوات من الانغماس في اللعبة السياسية المحلية، كي يستسهل الطريق من الرابية إلى كليمنصو. قبل ذلك الوقت كان يصعب عليه مدّ جسور التواصل مع جنبلاط لأسباب كثيرة، منها ما يتصل بالكيمياء المفقودة بين الرجلين، ومنها ما له علاقة بزعامة الجبل.
وليد جنبلاط بدوره لم يكن أفضل حال في تعامله مع «جنرال التسونامي»، فترك بينه وبين العائد من منفاه القسري على صهوة الزعامة المسيحية مسافة لا بأس بها. حتى في زمن الهدنات الجنبلاطية، كان للجنرال حصته الدسمة من تلطيشات «البيك».
ومع أنّها ليست من عادات ميشال عون أن يستقل إحدى السيارات المصفحّة المركونة أمام فيلته الصغيرة في الرابية، ليقصد أياً من «رفاق كاره» على قاعدة أنه يُزار ولا يزور، إلا أنه عندما تكون المسألة متصلة بوليد جنبلاط، لا سيما في زمن «الرئاسيات الصعبة»، تصبح للخطوة حسابات أخرى.
عملياً، مسألتان تحتلان ذهن جنرال الرابية ولا تتركان مكاناً لغيرهما من قضايا الساعة: رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش. في الأولى يترك للزمن حُكمه ليقول كلمته، وطالما أنّ دوائر القرار لم تسلم مفاتيح أسرارها فلا داعي للعجلة أو للاستعجال.. ولا حتى لإجراء أي نقلة نوعية على رقعة الشطرنج. المهم ترقب الحوار الأميركي ـ الإيراني ومفاعيل نتائجه.
ولهذا، فإنّ التحصّن بالصداقات السياسية هو أفضل علاج لمربع الانتظار. بهذا المعنى لا يقطع الجنرال مع سعد الحريري، ولا يرجم وليد جنبلاط حتى لو وصف الموارنة بأنهم «أصحاب اختصاص في الانتحار».
أما في الثانية، فإنّ الوقت داهم ويطرق الأبواب ولا مجال لترف الانتظار كثيراً. في 23 أيلول يحال العماد جان قهوجي إلى التقاعد، ويفترض بالتالي أن يكون السيناريو البديل جاهزاً قبل موعد الحسم. فإما يتم الاتفاق مسبقاً على تأجيل تسريحه بقرار يوقع من وزير الدفاع سمير مقبل، كما فعل سلفه فايز غصن في تموز 2013 وإما يصار إلى تعيين قائد جديد للجيش، وهذا ما يدفش باتجاهه جنرال الرابية ويعمل على تجميع «أغلبية حكومية» له. وطبعاً شامل روكز في أعلى قائمة الترشيحات. مع الأخذ في الاعتبار أن الاحتمال الثالث، وهو وضع قانون لرفع سنّ التقاعد للضباط، مرفوض من جانب عون.
على الضفّة الجنبلاطية القراءة مختلفة تماماً، من دون أن يعني أنها في حال تناقض مع الضيف. لأسباب كثيرة يرفض زعيم المختارة أن يكون طرفاً في النزاع الرئاسي الحاصل فيجيِّر أصوات كتلته لأي من مرشحي الفريقيْن، ولهذا ابتكر خشبة هنري حلو للخلاص من نار «الشاقوفيْن»، ولا يزال يتمسك بها ويقدمها على أنها الدواء الشافي.
لا يملّ «أبو تيمور» من إبلاغ كل من يلتقيه مضمون «إستراتيجيته الرئاسية»، ومفادها أنّ أصواته ستصب في صندوقة نائب عاليه مهما كان شكل السيناريو الرئاسي. بمعنى أنّه إذا حصلت معجزة التوافق فإنّ أوراقه لن تقدم أو تؤخر، وبالتالي لا حراجة من رفد هنري حلو بها. وفي حال بقي الفرز العمودي قائماً، فهو لن يرمي الزيت على النار ويشرّع الانقسام السياسي القائم، ليصير «مشروع حرب»، وستظل أصواته في جيب هنري حلو.
وكما في الرئاسة كذلك في قيادة الجيش. يسير وليد جنبلاط بين ألغام الخلافات السياسية، مفضّلاً تأمين حماية التوافق قبل الإقدام على أي خطوة. بمعنى أنّه لا يقف بالمرصاد لطرح تجديد عروق قيادة الجيش، لكنه بالمقابل لن يكون جزءاً من أي أصطفاف في حال وقع الانقسام، كما أنه لن يترك رأس المؤسسة العسكرية معرضاً للشغور، وقد يضطر للخضوع لخيار التمديد للعماد جان قهوجي، إذا سقطت ورقة التين التوافقية.
لهذا كله، كان اللقاء بالأمس عمومياً، تناول كلّ شيء ولا شيء. ولا داعي بالتالي لفصل الخيط الأبيض عن الأسود، أو للمواقف الحاسمة في هذه اللحظة بالذات.
وهكذا، يعشق وليد جنبلاط أحياناً اعتماد لعبة الغموض في حراكه الشطرنجي، ليثير الشكوك والتساؤلات في نفوس راصديه، سواء كانوا من صنف الحلفاء أو الخصوم، فيضفي الإثارة على ما يقوم به داخل قلعته وفي جلساته المغقلة. ولهذا يرفض الإفصاح عما دار بينه وبين ضيفه، مكتفياً بجملة واحدة «اللقاء كان ودياً جدياً وتناول شؤوناً عامة لبنانية وإقليمية»… وعلى الآخرين مهمة فك الأحجية.