Site icon IMLebanon

عون وقهوجي.. والشارع ثالثهما؟

قد تتبلور في الايام المقبلة توضيحات أكثر من الجانب العوني تفيد بأن الرئيس تمام سلام «ليش داعشيا» بالمعنى الحرفي للكلمة، لكن أحد أبرز أوجه الاعتدال في الطائفة السنية يتصرّف بما يوحي بذلك من خلال احتكار صلاحيات رئيس الجمهورية داخل الحكومة.. و «سامحونا» إذا «شطحنا» في التعبير!

وقد تتراكم التصريحات التي تصبّ في خانة «تخوين» من يدعو صراحة وعلنا الى الفدرالية، بما أنها لا تعكس النَفس الحقيقي لزعيم تيار حارب منذ دخوله السلك العسكري وحتى انخراطه في لعبة السلطة كل مشاريع التقسيم والتفتيت، على ان التلويح بها هو فقط للتحذير منها إذا استمرّ التهميشيون على نمطهم في تجاهل مطالب رئيس أكبر كتلة مسيحية.

وربما ستفتّش قيادات «التيار الوطني الحر» عن مخارج لفظية تبرّر تمسكها بهذه الحكومة وضرورة استمراريتها، أقلّه الى ما بعد تبلور آفاق الاتفاق النووي وانعكاساته، بعد ان كان تطيير حكومة تمام سلام احد الاحتمالات الواردة جدا على أجندة الرابية ردّا على رفض البتّ في بند التعيينات الامنية.

وحتّى قد تذهب هذه القيادات الى حدّ تبرير عودة مرسوم فتح دورة استثنائية ليكون بندا ملحّا على جدول أولويات مجلس الوزراء، بعد ان كان وقف دورة العمل في ساحة النجمة احد اهم الاسلحة التي يستخدمها ميشال عون بوجه الرئيس نبيه بري «طابخ» كل أنواع «أطباق» التمديد بالتكافل والتضامن مع «تيار المستقبل».

عمليا تراجع ميشال عون قليلا الى الوراء في أكثر من مكان تماشيا مع متطلّبات المواجهة ربما، لكن أمرا واحدا ليس بوارد المهادنة بشأنه و«بلعه» وهو بقاء قائد الجيش يوما واحدا في اليرزة بعد 23 أيلول المقبل، ومن أجل هذا الهدف ستتكثّف اساليب المواجهة.

بروفا 9 تموز شكّلت حقل اختبار للطرفين وانتهت بما لا يمكن حجب انعكاساته على مسار العلاقة المتأزّمة بين «الجنرالين». الاهمّ ان لا احد قادرا على الجزم بأنها لن تتكرّر مجددا.

حتّى الساعة لا تزال تفاصيل ما جرى في الشارع غير واضحة تماما. ثمّة وجهتا نظر والكثير من الكلام الكبير الذي يقال في الكواليس. بعض المتابعين يجزم بأن ميشال عون أراد فعلا نقل المواجهة مع جان قهوجي الى الشارع، والدليل يُقرأ على لسان عون نفسه من خلال مضبطة الاتهام التي اطلقها يوم السبت أمام وفد عاليه الشعبي الذي زاره في الرابية.

رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» تخطّى كل المحظور في السياسة. وما لم يقل يوما في إميل لحود حين كان ناشطو «التيار» يخطّون بيانات الردّ على قائد الجيش الاسبق، قاله عون وأكثر في جان قهوجي.

فبناء على «معطيات» وصلته أعلن أن «ما حصل يشكّل اعتداءً منظماً يرقى إلى محاولة القتل»، محمّلا «قائد الجيش مسؤولية ما حصل لأن هكذا مسألة لا يمكن أن تُبتّ إلا إذا أعطى القائد أمراً بتنفيذها».

ورسالته الاهمّ تركّزت على اعتبار «أن كلّ ما قام به بعض عناصر الجيش يدلّ على اعتماد سياسة انتقامية ضدّ كلّ من يعارض القائد، لا من يعارض الجيش»، مع وعد بالكشف عن «اسماء المعتدين» في الايام المقبلة.

في أجندة العونيين الكثير من الاسئلة: لماذا أقفلت الطرقات أصلا؟ ولماذا يُسمح لاصحاب المطالب الاجتماعية ان يتمدّدوا في كل بيروت او لاهالي العسكريين المخطوفين ان يخيّموا أمام السرايا او لشباب المجتمع المدني ان يعبّروا بكل حرية، فهل نحن نحمل العصي وهمّ لا؟ ولماذا هذا الترويج المنظّم لفكرة اننا نريد اقتحام مراكز رسمية وتشويه تحرّكنا فيما الهدف لم يكن سوى ايصال رسالة الى مجلس الوزراء؟

وبعكس ما يروّج له، تقول أوساط عون «لم ولا نريد استخدام الشارع لتصفية الحساب مع قائد الجيش. الشارع هو وسيلة لايصال صوتنا، لكن المشكلة تحصل حين يستغلّها الاخرون لتصفية حساباتهم معنا».

في اليومين الماضيين بدت لافتة الصورة التي أخذت محلها على صفحات الناشطين العونيين على فايسبوك عن اللون المرقط مع عبارة «هذه مدرستنا» وهاشتاغ «الجيش يجمعنا». ليس الامر غريبا على ادبيات «التيار» المدافع الدائم عن المؤسسة العسكرية والواقف الى جانبها في كل الازمات، لكن الامر بدا ردّا على من يحاول الايحاء بأن دور العونيين أتى هذه المرّة لـ «يعتدوا» على الجيش، وهذا ما يصنّف في قاموسهم من المحرّمات.

المقرّبون من قائد الجيش لا يملكون سوى البصم على مقولة ان عون الذي خسر معركة التعيينات في السياسة مع توافر شبه إجماع على التمديد للقادة العسكريين، قرّر اللجوء الى الشارع في ضربة استباقية لتشويه صورة العماد قهوجي على ابواب التمديد الثاني الذي تفرضه جملة وقائع.

ويشيرون الى ان القيادة كانت متحسبّة لاحتمال الفوضى وجرّ الجيش الى فخ الصدام، فكان القرار بمنع المتظاهرين من الاقتراب من السرايا. البيان «رقم واحد» الذي صدر، شكّل، بمفهوم هؤلاء، رسالة تحذيرية ومفادها «تظاهروا وعبّروا. هذا حقكم. لكن الفوضى ممنوعة. والجيش أمام الفوضى لا يقف على الحياد».

أما الاصرار غير المفهوم على تجاوز السياج بالقوة فيما مجلس الوزراء منعقد في ظل احتقان سياسي كان يمكن ان يؤدي الى فلتان «شارع آخر»، فلم يكن ممكنا تجاهله، برأي هؤلاء. أما الردّ فترجم بالاعتداء على العسكر، وكأن ثمّة نية جرمية!

ستكون قمّة المفارقات ان سقوط جرحى في الشارع يصبح وجهة نظر. القيادة تؤكّد بالصور حصول هذا الامر وعون يصرّ على نفيه. خصومه يردّون «ميشال عون مولع بلعب دور الضحية!».

بمطلق الاحوال، وكأن شيئا لم يحصل على أبواب السرايا، ولن يحصل في جلسة مجلس الوزراء المقبلة، يشقّ التمديد طريقه نحو التنفيذ.

مع ذلك، المؤيّدون لفكرة «فضّ المشكل» الكبير باتخاذ القرار بتمرير أقلّه التعيينات، يقولون «القصّة تبدأ من عند وليد جنبلاط مع استحقاق رئاسة الاركان في 7 آب. ما الذي يمنع ان يقول زعيم المختارة بكل بساطة أرغب بقائد منطقة الشمال العميد مروان حلاوي او مدير التعليم العميد دريد زهر الدين رئيسا للاركان؟ ما الذي يمنع بعدها وزير الدفاع من اقتراح أكثر من اسم داخل مجلس الوزراء (كما طالب عون قبل أيام بطرح 3 او حتى 5 اسماء) لتعيين قائد جيش جديد؟».

هؤلاء أنفسهم يطرحون سؤالا «ما الذي منع اصلا حصول التعيينات منذ العام 2013؟ فهل تعيين مدير مخابرات ورئيس أركان وأمين عام للمجلس الاعلى للدفاع ومدير عام قوى امن داخلي ومجلس عسكري ومجلس قيادة مرتبط أيضا بغياب رئيس الجمهورية؟».