فرضت المواقف التصعيدية الأخيرة للعماد ميشال عون، جهوزية واضحة لدى خصومه السياسيين، كما لدى حلفائه الذين وإن تمايزوا في ردّة فعلهم على حملته القاسية ضد تيار «المستقبل»، لم يذهبوا إلى حدّ التلويح العلني بالوقوف معه صفاً واحداً في وجه عملية إحباط كل محاولات العماد عون، لفرض معادلة الشراكة داخل مجلس الوزراء، توازياً مع سلسلة مطالب وشروط اختلفت مقاربتها من قبل أكثر من مكوّن حكومي في المرحلة الأخيرة، خاصة بعدما ارتدت طابع «التسوية» الأمنية لقضية التعيينات في المؤسّسة العسكرية.
وفيما تتّسم صورة الوضع الحكومي بالسواد نتيجة الأفق المسدود أمام أي محاولة لعقد جلسة قريبة لمجلس الوزراء، لاحظ مصدر نيابي في قوى 8 آذار، أنه من الصعب اليوم تلمّس أي تطوّر إيجابي على صعيد الحكومة «المترنّحة»، كما على صعيد مجلس النواب، وذلك على الرغم من أن عملية انتخاب اللجان النيابية ستحرّك مياه المجلس الراكدة، وإنما بشكل جزئي ومحدود. وتوقّع المصدر نفسه، المزيد من التصلّب والتصعيد في موقف العماد عون، كما في موقف «حزب الله» بشكل خاص، لافتاً إلى أن تبدّل الأولويات لدى عواصم القرار الإقليمية المعنية بالأزمة اللبنانية، وخصوصاً على صعيد الموقف الإيراني المستجدّ من الحرب السورية، قد أملى جدول أعمال إقليمي مشترك بين طهران والرياض في سوريا وتالياً في لبنان. وأوضح أن متغيّرات عدة سُجّلت على صعيد الوضع السوري نتيجة التدخّل العسكري الروسي، والذي بات اليوم منسّقاً، ولو على مستوى متدن، مع الإدارة الأميركية، مشيراً إلى أن هذا الأمر الواقع على الأرض سينعكس معطيات سياسية جديدة على الساحة السورية أولاً، وعلى الساحة العراقية ثانياً، كما على الساحة اللبنانية ثالثاً.
وفي هذا المجال، كشف المصدر النيابي ذاته، أن المراوحة، وإنما على إيقاع ساخن، هي عنوان المرحلة الداخلية، بسبب انخراط القوى الإقليمية بعملية التسوية قبل أن تنتهي العمليات العسكرية التي تتّجه إلى الحماوة في العراق نتيجة «تفعيل» التدخّل العسكري الأميركي، ليصبح موازياً للتدخّل الروسي في سوريا. وأكد أن تسارع التطوّرات العسكرية سيدفع أيضاً إلى تسارع الحراك السياسي والديبلوماسي الإقليمي والغربي لوضع أجندة الحلول موضع البحث، وإن كانت حتى الساعة لا تزال كافة المخارج مغلقة على الأقل على الساحة السورية.
وانطلاقاً من هذه المقاربة، فقد اعتبر المصدر النيابي في 8 آذار نفسه، أن اللحظة الداخلية بالغة الحساسية على الصعيدين السياسي، كما على صعيد الشارع الذي يشهد تحرّكات مدنية حتى الساعة، وإنما من الممكن، وفي أي لحظة، أن يتطوّر الإحتقان السياسي إلى إشكالات سياسية وليس مدنية بين مناصرين لأحزاب وتيارات في هذا الشارع الذي يغلي أيضاً بفعل الأزمات المتراكمة. ونبّه من خطورة المواجهة ما بين شارع فريق سياسي معيّن وشارع فريق آخر خصم، معتبراً أنه على الرغم من الحوار الحاصل بين «المستقبل» و«حزب الله»، فإن وتيرة التشنّج المذهبي ترتفع في أكثر من منطقة في بيروت، كما خارجها، وهي تنذر بأن تحوّل أي تلاسن إلى احتكاك بالنار، وذلك بصرف النظر عن قرار قيادتي الطرفين بالتهدئة، وبتركيز الخصومة على السياسة فقط.
واستدرك المصدر النيابي عينه، مشيراً إلى أن «الحوار الوطني» في ساحة النجمة، ربما يكون الوسيلة الأخيرة المتاحة لإدارة مرحلة الإنتظار «القاتلة» في ظل الشغور الرئاسي والتعطيل الحكومي. ولفت إلى أن تحييد العماد عون في هجومه الأخير للرئيس نبيه بري، وإشارة السيد حسن نصرالله إلى «إيجابية» هذا الحوار، هما مؤشّران واضحان على أنه تحوّل إلى شبكة أمان تكاد تكون الوحيدة للبلد، مع العلم أنه من الصعب أن يؤدي إلى أي تسوية شاملة كفيلة بتحريك الإستحقاق الرئاسي، أو بإدارة عجلة الحكومة المتداعية.