«توهّم القوم أن العجز قرّبنا وفي التقرّب ما يدعو إلى التهم». يُفتّش أحد نواب تيار المستقبل كثيراً عما يقنعه بأن الأمور بين التيار الوطني الحر وحزب الله ليست على ما يُرام، فلا يجِد سوى في شعر المتنّبي سبيلاً إلى ذلك. ببيت الشعر هذا، يصِف النائب زيارة وفد حزب الله، برئاسة حسين الخليل ووفيق صفا إلى العماد ميشال عون. النائب المستقبلي يريد القول إن أسلوب حزب الله في التعامل مع الجنرال «فيه شيء من المغالاة»، بمعنى أنه لو كان ما يجمع الطرفين قوياً إلى هذا الحد، لما جهد حليف الرابية في تأكيد الرابط المتين، وكان سيترك الأمور تسير وفق سياقها الطبيعي.
هي المرة الثانية التي يقرأ فيها الحريريون خطوات حزب الله على هواهم. عندما امتنع عن تسمية عون مرشّحاً رئاسياً على نحو صريح، رأى المستقبل أن «الحزب أصلاً ليس مقتنعاً بحليفه». وحالما لفظ السيّد نصرلله اسم رئيس تكتّل التغيير والإصلاح بالفم الملآن، سارع المستقبليون إلى اعتبار أن «الحزب يحرق حليفه»، وهم يجهدون لتحويل هذه العبارة إلى «حقيقة مطلقة» لا جدال فيها.
يرفض «الزرق» تصديق أن بإمكان تفاهم مار مخايل أن يحافظ على صلابته. يقول نائب مستقبلي آخر إن «استخدام الطرفين تعابير كتلك التي سمعناها، التكامل الوجودي مثالاً، لا طابع سياسياً لها، لكنّها تؤكّد أن هناك مشكلة غير معلنة بين الضاحية والرابية».
فشل تيار المستقبل في إبعاد عون عن حزب الله ولم يربحه
إلى جانبه
وبحسب معلوماته، يكثر الكلام داخل أوساط المستقبل عن أن «ما دفع عون إلى اختيار تعبير «التكامل الوجودي» بالذات، هو تلقفه إشارات بإمكانية حصول تسوية رئاسية على حسابه، ما دفعه إلى الالتصاق بحزب الله، حتى يحرجه ويمنعه من السير بها. فعون استبق ما يُمكن أن يحصل، وضيّق على الحزب بكلامه، وبذلك يعرف أنه إذا لم يصل هو إلى بعبدا، فغيره لن يصل أيضاً»، لكن بالنسبة إلى المستقبل «وفّر عون علينا تبرير أسباب رفضه، فهو بحديثه أكّد أنه رئيس غير توافقي، بل رئيس مطلوب من حزب الله، ولأن التوازنات القائمة حالياً تمنع علينا انتخاب رئيس حليف لتيار المستقبل، أو رئيس حليف لحزب الله، فإنه بذلك أزال الهمّ عن كاهل الحزب والمستقبل معاً، وحرق نفسه بنفسه».
تبقى الزيارة التي قام بها الوفد إلى الرابية حمّالة أوجه بالنسبة إلى تيار المستقبل. من وجهة نظر المقربين من الرئيس سعد الحريري، ما يفعله حزب الله مع الرجل أنه «يحاول طمأنته إلى أن أي تسوية ستحصل سيكون هو شريكاً في صياغتها». ويذهب هؤلاء إلى القول إن «أحد أهداف الزيارة، ربّما يكون اقناع عون بأن الحوار بين المستقبل وحزب الله لن يكون على حساب الرئاسة». برأيهم أن «التفاهم مع الفريق الأقوى في الطائفة السنية هو هدف استراتيجي لحزب الله الذي يعرف أن لا بديل عنّا».
في المقابل، ثمة في تيار المستقبل من يقول «بأننا خسرنا ميشال عون وأعدناه إلى حضن حزب الله». أكثر من مرّة نقلت شخصيات مستقبلية أن «الدائرة المحيطة بالرئيس الحريري كانت ولا تزال متحمسّة لإنشاء تحالف مع الرجل». حتى وبعدما فضّ الحوار الذي استمر أشهراً «مُنع النواب والوزراء وأي شخصية في المستقبل من مهاجمة التيار الوطني الحر، أو الردّ على أي بيان هجومي يخرج من الرابية». حتى ما قاله عدد من النواب في الأمس القريب عن العلاقة مع عون، يتقدّمهم أحمد فتفت، كان محط اعتراض ممّن يُعدّون أصحاب قرار في المستقبل، على اعتبار أن «بالإمكان مدّ الجسور مع الجنرال من جديد». أصلاً لم يكُن انفتاح الحريري على عون، مجرّد محاولة لتقريب وجهات النظر بين أكثر طرفين متناقضين على الساحة اللبنانية. يعترف مستقبلي بارز مطلّع على مسار الحوار منذ بدايته حتى النهايات، بأن «تيارنا كان يراهن بالحد الأقصى على فك التحالف بين حزب الله وميشال عون». يقول: «أطباع هذا الرجل كانت تناسب هدفنا. فهو شخصية غير تقليدية، ولا أحد قادرا على ضبط ردّات فعله، وبالتالي كان لا بدّ أن يأتي يوم يصطدم فيه مع حزب الله»، لكن الآن، وبعد تأليف الحكومة «أصبح هناك نوع من تطبيع العلاقات بين المستقبل وحزب الله، وهذا التطبيع قائم على قاعدة إبقاء الوضع في البلد على ما هو عليه بانتظار ما سيحصل في المنطقة، أي عدم إنتاج سلطة في أي من المؤسسات، وتحديداً رئاسة الجمهورية لعلمهما بأن ذلك سينهي التطبيع غير المعلن».
يبقى أن تيار المستقبل لا يزال مطمئناً. هو مقتنع بأن كل ما يقوم به حزب الله باتجاه العماد عون هو «خطوات معنوية لا ترجمة لها في الواقع السياسي»، لكن في الوقت عينه، ينظر إلى هذه العلاقة الثنائية من باب الحسد. فهو لم يستطع الفوز بحليف مسيحي، أقوى من حلفائه في فريق الرابع عشر من آذار، كما أنه لم يقدر على إضعاف حزب الله بسحب غطاء أقوى شخصية مسيحية تظلّله!