«وقتُ التحذيرات قد انتهى في مسار حلّ قضية اللاجئين السوريين». هو الشعار الذي سيطبع أحدَ أهمّ أولويات رئاسة الجمهورية من دون انتظارٍ حتى لولادة الحكومة «الفعلية» للعهد، كما يسميها الرئيس ميشال عون. العودةُ الآمنة والسريعة الى سوريا دون انتظار الحلّ النهائي للأزمة. ومن أجل ذلك، لا مشكلة في إحداث «مشكلة» مع المجتمع الدولي. المحظور الفعلي هو «مشكل» الداخل حول هذه القضية المصيرية.
بعيداً من الإعلام، وبنحوٍ متكرِّر، يقصد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة القصر الجمهوري لوضع عون في آخر تطورات الوضع المالي والاقتصادي والنقدي. لا ينفك «الحاكم» يؤكّد أنّ العملة اللبنانية في أمان ومستقرّة والقطاع المصرفي متين على رغم المزايدات التي نسمعها.. لكن عجّلوا»، قاصداً ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة بما ينعكس شدشدةً سياسية في الداخل قد تخفّف من المخاطر المالية الداهمة.
قد يكون عون أحدَ أكثر المستعجلين لولادة حكومة تنتظرها مهمّات هائلة ليس أقلّها مواجهة الوضع الاقتصادي المتردي والمباشرة بالالتزام بتنفيذ الخطة الاقتصادية، التي يتمّ وضع اللمسات الأخيرة عليها، والمفترَض أن تحدّد مكامن القوة والضعف ووضع التصوّرات الواقعية لمعالجة المشكلات القائمة.
لكنّ عون يسلّم مسبقاً أنّ نزع «لغم» اللاجئين السوريين هو أحد أهمّ مقوّمات نجاح هذه الخطة. المسألة مصيرية ووجودية وكيانية بالنسبة الى عون بسبب الأعطاب المباشرة التي سبّبها على المستوى الاقتصادي والأمني والاجتماعي.
عملياً لم يشكّل البيان المشترَك للأمم المتحدة والإتّحاد الأوروبي الصادر عن مؤتمر «دعم مستقبل سوريا والمنطقة» في أيار الفائت إلّا ترسيخاً لإقتناعٍ رئاسي بأنّ هناك مؤشراتٍ جدّية على «توطين مقنّع لن نسمح به على الإطلاق»، على حدّ قوله. وهو الأمر الذي سمع نقيضه خلال لقائه مع سفراء الدول الاجنبية في قصر بعبدا إثر الكباش بين الوزير جبران باسيل والمفوّضية العليا للاجئين.
ولعلّ الكلام الاوضح الذي قاله رئيس الجمهورية في هذا السياق برز خلال زيارة الدولة التي قام بها الى فرنسا في ايلول 2017 مؤكداً «أننا لن ننتظر عودتهم طواعية»، معتبراً أنّ معظم المناطق السورية التي جاء منها اللاجئون «آمنة الآن».
وبالتأكيد فإنّ «المشكل» المفتوح مع مفوّضية اللاجئين في شأن تأمين العودة «المسهّلة» لمئات آلاف السوريين ليس جديداً على منهاج التعاطي «العوني» تحديداً مع هذه المسألة بعدما طالب الوزير جبران باسيل صراحة منذ العام 2013 بإغلاق الحدود مع سوريا لوقف تدفّق اللاجئين، ويومها قوبل بـ»ثورة» غضب عارمة شارك فيها آنذاك مَن يدقّ جرس الإنذار اليوم حول مخاطر هذه «القنبلة» البشرية وعلى رأسها «القوات اللبنانية».
ويبدو أنّ العمل على «الجبهة» الدولية يوازيه حراكٌ داخلي لا يقلّ أهمّيةً خصوصاً أنّ عنوانه تأمين توافق الحدّ الأدنى حول إستراتيجية مواجهة أزمة اللاجئين.
وتعكس زيارة وفد تكتل «لبنان القوي» الى البطريرك مار بشارة بطرس الراعي أمس جزءاً من هذا التحرّك حيث عرض الوفد المخاطر الحقيقية المتأتّية من ما يشبه التواطُؤ الدولي على إبقاء النازحين في لبنان تحت ذريعة عدم توافر مقوّمات العودة الآمنة أو انتظار الحلّ النهائي، وإحتمال تدخّل أجهزة غربية وخليجية للضغط على الأمم المتحدة للتمسّك بسياستها «المشبوهة» في التعاطي مع هذا الملف، على أن تكمن أحد الحلول الأساسية في تأمين الحوافز نفسها التي تقدّم للنازح في لبنان لكن في سوريا، وفضح واقع إستحصال آلاف اللاجئين على بطاقة نازح و»إقامة» في الوقت نفسه.
والراعي المتبنّي أساساً للسياسة التي إعتمدها عون قبل إنتخابه رئيساً للجمهورية كان واضحاً في التأكيد أمام الوفد الزائر أنه يحمل أزمة اللاجئين معه في كل المحافل الدولية، معترفاً بأنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يكاد يكون الجهة الدولية الوحيدة المتجاوِبة مع نداءات الاستغاثة اللبنانية.
والوفد الذي بدأ جولته من بكركي سيزور غداً شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نعيم حسن من ضمن سلسلة لقاءات ستشمل قيادات روحيّة وسياسية، فيما هناك محاولات لتحديد موعد للوفد مع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي أطلق مواقف عالية اللهجة في ملف النازحين، خلال خطبة عيد الفطر، حاملاً على «الإدارات السياسية المتعدّدة»، ومستغرِباً «كيف يقرّر طرف في مسألة عودة النازحبن كأنه ما عادت هناك حكومة لديها سياسة موحّدة»!
لكنّ أوساطاً في «التيار الوطني الحر» تستبعد أن يشكّل التباعدُ في وجهات النظر بين تكتل «لبنان القوي» والحريري، مادةً خلافية تعيد المعنيّين بها الى ما قبل مرحلة التسوية الرئاسية، «إذ إنّ الحريري يدرك تماماً خطورة ملف اللاجئين السوريين، وهو متيقّن بأنّ صمّامَ أمان إستمرارية وجوده في رئاسة الحكومة على المدى الطويل يكمن في إيجاد حلٍّ شامل لهذه الأزمة المصيرية، خصوصاً أنّ أيَّ موقف للحريري خارج عن سياق إعتماد إجراءات «فورية» للتخفيف من عبء هذا الملف سيصطدم بما يشبه الإجماع الشعبي على ضرورة تحمّل الجميع مسؤولياته بعيداً من لغة المزايدات»، على حدّ تعبير الأوساط.
وفيما يذكّر قريبون من الحريري بأنه، ومنذ أكثر من عام، يحذّر من «حالة الانهيار» تحت ضغط إستضافة مليون ونصف مليون لاجئ سوري، وأنّ التوترات بين اللبنانيين واللاجئين قد تؤدّي الى «إضطرابات»، لكنه يجزم في الوقت عينه بأنّ الحكومة لن تكون «وسيلة لتسليمهم من دون توافر شروط العودة الآمنة وعبر الأمم المتحدة حصراً». ويكشف هؤلاء أنّ الحريري المدرك لحساسيّة الملف وخطورته يتعاطى به بأعصاب باردة من منطلق أولاً إبقاء تأليف الحكومة في منأى عن أيِّ سجالات داخلية وهو، بتأكيد القريبين منه، لم يتجاوب مع دعواتٍ داخلية من فريقه طالبته صراحة «بوضع حدٍّ لتمادي الوزير باسيل في سياساته الاستفزازية والتي تصل الى حدِّ التطاول على صلاحيات رئاسة الحكومة».
أوّلُ ردّ «على البارد» تمثل في إستقبال الحريري منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان فيليب نازاريني وممثلة مكتب المفوّضية العليا للاجئين في لبنان ميراي جيرار في حضور مستشاره لشؤون النازحين نديم المنلا، كذلك إتصل برئيس الجمهورية رافضاً المنطق الفوقي الذي تعاطى به باسيل مع «المفوّضية».
وفي رأي الحريري، وفق القريبين منه، أنّ ذهاب باسيل بعيداً في تفعيل قرار تجميد إقامات موظفي المفوّضية لن يقرّش على أرض الواقع إذ إنهم، في كل الحالات، سيبقون في لبنان ويمارسون المهمّات المطلوبة منهم، خصوصاً أنّ العرفَ القائم منذ وجود وزير الخارجية فؤاد بطرس على رأس الديبلوماسية اللبنانية هو عدم حاجة هؤلاء الموظفين الدوليين الى إقامات.
وبالتالي لن يكون الحريري في وارد تكبير «مشكل» لن يحصل أصلاً، لأنّ وزير الخارجية ليس صاحبَ الحق في إدارةِ ملفٍّ بهذه الحساسية والخطورة أو في طردِ موظفٍ دولي، ولأنّ الحكومة هي صاحبة القرار أولاً وأخيراً، ولأنّ تأليف الحكومة يجب أن يبقى في منأى عن النزاع حول بعض الملفات بما في ذلك ملف اللاجئين السوريين.