IMLebanon

عون يُقارب القصر… في انتظار «سوخوي» تحمله إليه!

في 8 آذار شعور بالقوة هو الأوّل من نوعه منذ 5 سنوات. الروس والإيرانيون نقلوا الأسد من وضعية الدفاع إلى الهجوم… وبموافقةٍ أو رضوخٍ أو سكوتٍ من الولايات المتحدة وإسرائيل ومعظم العرب. فكثيرون تدغدغهم النشوة، ولكن هل يبلغون الذروة؟

إنتهى الحوار. أساساً هو لم يبدأ. وباتت الحكومة مجردَ صورة، والمجلس كذلك. وأما رئاسة الجمهورية ففي خبر كان. ويقول المطلعون: المطلوب، في المدى القريب، هو استكمال الهدم ليصبح كلّ شيء ركاماً على الأرض. وبعد ذلك، يُعاد بناء ما يرادُ بناؤه، وبالطريقة التي تخدم الأقوياء.

لذلك، سيتمّ استثمار الحراك الشعبي تصعيدياً في الفترة القريبة الآتية. وللمرة الأولى، دخلت عليه هيئة التنسيق النقابية، بما ومَن تمثِّل، وفرضت ثلاثة إضرابات متلاحقة بين تشرين وتشرين، وكأنها قررت التحرك في شكل طارئ، بعد جمود واضح.

ولذلك أيضاً، قرَّر المعنيون بالأمن رسمَ قواعد اشتباك على الأرض مع المتظاهرين، للمرة الأولى منذ انطلاق الحراك. فهم يتوقعون أن تعلو موجة الحراك الجماهيري في شكل مفاجئ إلى حدود تصدم القيِّمين على الأمن وتربكهم. وهذا ما يثير المخاوف من تجاوزات وأخطاء مقصودة وغير مقصودة من هنا وهناك، قد تؤدّي إلى فتنة لا أحدَ يعرف ما تقود إليه.

لماذا هذه المخاوف، وفي هذا الوقت تحديداً؟

المطّلعون يربطون بين التصعيد السياسي المستجدّ داخلياً والتصعيد العسكري الطارئ إقليمياً، ويقولون إنّ لبنان محكومٌ في السنوات الأخيرة بـ«ستاتيكو» غير متكافئ: فريق قادر على الفعل، هو 8 آذار، وفريق يعيش على ردّات الفعل، هو 14 آذار.

وفي برنامج 8 آذار أن يصل في النهاية إلى نسف المعادلة التي يقوم عليها البلد. وهذا لا يتحقق ما لم تنقلب المعادلة الإقليمية أولاً، وتحديداً في سوريا.

فعندما كان الرئيس بشّار الأسد يصارع للحفاظ على البقعة الباقية تحت سيطرته، و»حزب الله» يقاتل لمنع سقوطه في المناطق الحسّاسة المحاذية للعاصمة والممرِّ المؤدّي إلى الساحل، عمد 8 آذار إلى المهادنة وكسب الوقت مع خصومه. فأقام شراكة شكلية مع «المستقبل» في الحكومة والحوار، لكنه في المقابل عطَّل الحكومة والمجلس ورئاسة الجمهورية والمؤسسات، وهو يستثمر الحراك الجماهيري في عملية الهدم، عندما تحين ساعتها.

ولذلك، تتفاقم الأزمات الاجتماعية بلا ضوابط. وحتى أزمة النفايات مدروس مسارها. وفي النهاية، بعد أن يصل الجميع إلى الاهتراء الكامل، سيطالبون بالخلاص، حتى بالمؤتمر التأسيسي الذي سيبدو عندئذٍ مطلباً مُلِحاً لخصوم «حزب الله»، قبل أن يكون مطلباً له.

اليوم، بدأت مرحلة جديدة في سوريا وسائر الشرق الأوسط، قوامها التفوُّق الروسي- الإيراني. وانتقل الأسد من الدفاع عن النفس في القوقعة الساحلية والخط الضعيف الممتدّ إلى العاصمة فالجولان، ليصبح في موقع الهجوم. وزال تماماً أيّ احتمال بانهزامه في هذه البقعة المسمّاة استراتيجياً «سوريا الفاعلة»، علماً أنّ المطّلعين كانوا دائماً على ثقة في أنّ مكان الأسد محجوزٌ في عملية رسم الخرائط، باعتراف الجميع.

وهكذا، قرَّر المحورُ الروسي- الإيراني اليوم، في سوريا كما في العراق ولبنان، الانتقالَ إلى مرحلة أكثرَ حزماً في الصراع، واستثمار «فائض القوة» الذي توفِّره موسكو وطهران، في غياب أيّ اعتراض إقليمي أو دولي يُذكَر.

ومن هذا المنظار، يصبح ممكناً إدراك الجزء الحالي من الخطة التي ينفذها «حزب الله» في لبنان. وهذا الجزء يقوم على الآتي:

1- وفَّرت القوة الجوّية الهائلة للأسد، في الساحل ومحيط العاصمة والمدن الكبرى، فرصة لطمأنته. وهذا ما يريح «الحزب» نسبياً، وعلى الأقل لجهة المسؤولية عن الصمود في العديد من المواقع. وهو أيضاً يوفِّر عليه الكثير من الأثمان في أرواح مقاتليه، ويجعله أكثر قدرة على الاهتمام مجدّداً بالتفاصيل اللبنانية.

2- يعتقد «الحزب» أنه سيكون أكثرَ قدرة على الإفادة من عملية تعطيل المؤسسات في لبنان. فمع اختلال القوى في سوريا، سيكون وارداً قيام حكومة ومجلس نيابي ورئاسة للجمهورية محسوبة عليه، بعد إعادة خلط أوراق عنيفة، تكون أكبر من الطائف.

3- إن التسخين الجاري شعبياً يخدم المسار التغييري. ويرتاح «الحزب» إلى الطبيعة الاجتماعية للمطالب، لأنها بديلٌ ناجحٌ من الطبيعة الطائفية- المذهبية الممنوعة. فالعقلُ الذي اختار زلزلة البلد على أسس اجتماعية، لا طائفية أو مذهبية، نجح في مهمته.

إذاً، لا أفق للأزمات الاجتماعية المشتعلة، من النفايات إلى الكهرباء وسلسلة الرتب والرواتب وسواها. وإذا تمّت الحلحلة الجزئية في إحداها، فستُفتح ملفاتٌ أخرى لإبقاء البلد «على النار». ومشكلة النفايات ليست في المطامر ولا المكبات ولا خطة الوزير أكرم شهيِّب أو سواها، بل في غياب الإرادة لإقفال الملف، والعمل لاستثماره تحقيقاً لغايات أخرى.

إذاً، مع المناخ السوري الجديد، يمكن القول إنّ ملامح الأفق السياسي بدأت تظهر في لبنان، بالمؤتمر التأسيسي أو بما يشبهه.

ويراهن بعضُ أقطاب 8 آذار على أنّ التسوية في لبنان باتت قريبة. ويحدِّد هؤلاء مواعيدها في غضون 5 أشهر، بين نهاية العام الجاري وربيع العام 2016. ويجزمون بأنّ المناخ اللبناني سينقلب إيجاباً، وسيتمكن اللبنانيون من إعادة بناء مؤسساتهم الدستورية.

وفي اقتناع هؤلاء أنّ التوازن الجديد في سوريا سيتيح تسوية تناسب فريق 8 آذار، سواءٌ في اختيار رئيس الجمهورية، أو في الحكومة والمجلس النيابي المقبلين. ويتداول هؤلاء أنّ بعض قوى 14 آذار الأساسية فقدت القدرة على التعطيل، وأنها ستكون أكثر استعداداً لتقبُّل الحلول الآتية، مع انشغال حلفائها الإقليميين بأزماتهم الخاصة.

وفي هذا السياق، يراهن العماد ميشال عون على اقتناص الفرصة الجديدة التي يُعتقد أنها تقترب، خصوصاً بعدما تلقّى ضماناتٍ جديدة ومباشرة، من الأسد وطهران و»حزب الله»، بأنْ لا أحد سواه سيعتمده هذا الفريق في موقع الرئاسة، عندما تنضج الظروف ويُفَكّ الحظر عن الانتخابات.

لقد مرّ العماد عون بمراحل اقتنع فيها بأنه ليس فعلاً مرشح حلفائه. فهناك موارنة كثر ربما يكونون على اللائحة، وهم أكثر ملاءمة للمشروع. والنائب سليمان فرنجية أبرزهم. لكنه مقتنع بأنه «لم يغلِّط» مع حلفائه يوماً، وهو يصدِّق بأنّ مصلحتهم تكمن في الحفاظ على العلاقة مع المسيحي الأقوى والأكثر تمثيلاً للقاعدة الشعبية.

ومن هنا، ثمّة رمزية مهمة لاعتصام عون قرب القصر الجمهوري في ذكرى 13 تشرين هذا العام. هو ليس أقرب جغرافياً إلى القصر فحسب، بل أقرب سياسياً أيضاً. وإذ يقف على مسافة خطوات من القصر… فهو موعودٌ بأنّ عاصفة «السوخوي» الروسية ستفعل فعلها في سوريا. وكما قلبت المعادلة هناك ورسَّخت موقع الأسد، فهي ستقلب المعادلة هنا وترسِّخ موقع عون.

في هذا المعنى، هناك حظوظ حقيقية لأن تنجح «السوخوي» في إيصال عون إلى قصر الرئاسة… شرط أن يُجمِع عليه أصحابُ الكلمة في المحور الإيراني- الروسي. فربما تكون لكلٍّ من هؤلاء نظرته التفصيلية وحساباته.

المسألة ليست مسألة «سوخوي» فحسب، بل مسألة خيارات سياسية. فهل العماد عون هو الأفضل لـ»الحزب»؟ وللأسد؟ ولطهران؟ وهل لموسكو خيار آخر، أم إنّ لها حساباتها ومساوماتها مع واشنطن والسعوديين وسواهم؟

إنتظر «الجنرال» 25 عاماً لبلوغ القصر. وهو يراهن على انتظار 25 أسبوعاً… إذ لا مجال لـ25 عاماً أخرى!