لا يمكن ان تكون اللقاءات التي عقدها سمير جعجع وحركته السياسية باتجاه بيت الوسط والمختارة بدون هدف كما لا يمكن ان تأتي من العدم ولمجرد فتح خطوط سياسية هي اما «معطلة» او «خارج الخدمة» «منذ فترة، فرئيس القوات الذي سجل خطوات في مرحلة الجمود السياسي تجاه النائب وليد جنبلاط ورئيس المستقبل سعد الحريري، تقصد ان يحقق اختراقاً في اللحظة السياسية والامنية الصعبة وفي ظل تعقيدات الملف الرئاسي ودخول الانتحاريين في قلب المعادلة اللبنانية في سيناريوهات مختلفة ومخيفة عن المرحلة الماضية. وفي الواقع فان تحرك جعجع خضع لاكثر من تحليل وتفسير في ظاهره وفي خفاياه ايضاً، بين القائلين ان جعجع قرر ان يخطو خطوات في الاستحقاق الرئاسي المجمد في ثلاجة الانتظار لتعبيد طريق الحليف المسيحي الجديد الى بعبدا وبين من يعتبر ان خطوة جعجع هي في اطار العلاقات ليس أكثر ولاستمزاج آراء قوى مؤثرة في الاستحقاق حول طبيعة ما تريده في هذه المرحلة، وفي الحالتين فان خطوة جعجع بالمؤكد شدت الانظار اليها بانتظار تبيان مفاعيلها ونتائجها. وفي مطلق الاحوال فان سمير جعجع يعلم جيداً ان الاستحقاق الرئاسي لا يقرره اللاعبون اللبنانيون وحدهم وان مفتاح الرئاسة ليس فقط لبنانياً انما يرتبط بعوامل اقليمية واحداث المنطقة وتطوراتها، الا ان سمير جعجع يعتقد وفق اوساط سياسية ان الاندفاعة الداخلية قد تنتج رئيساً رغم كل التعقيدات وهي ضرورية في هذه المرحلة البالغة التعقيد امنياً وسياسياً وفي الوقت الذي يقبل لبنان على انجاز التفاهم النفطي بعد سنوات من الخلافات والتجاذبات حوله. ولعل جعجع تقصد تسليف «الجنرال» موقفاً تاريخياً لم يسبقه اليه حلفاؤه من الخط السياسي الواحد، اما للمزايدة على هؤلاء او لتحقيق مكاسب في مراحل لاحقة. فسمير جعجع يدرس خطواته جيداً على الساحة المسيحة وهو منذ انجز تفاهم معراب مقتنع بان التقرب من ميشال عون افضل من الافتراق عنه، فالتفاهم اكسبه على الساحة المسيحية ولم يخسره في السياسة فلم يقطع علاقته بتيار المستقبل وان ساءت في المراحل الماضية، وفي كل الاحوال فان العلاقة مهما ساءت مع المستقبل فهي تبقى افضل من علاقة التيار الأزرق بالرابية، خصوصاً ان الفيتوات لا تزال قائمة من كل حدب وصوب ، من السعودية التي لا تقبل بعون رئيساً ومن عين التينة بعدما اتضح ان الملف النفطي شيىء والاستحقاق الرئاسي شيىء آخر، ومن المختارة بالذات التي تريد رئيساً بشروط. فتصريح النائب وليد جنبلاط عن «اي رئيس» لا تعني التسليم والاستسلام لخيار عون بدون اي شروط جنبلاطية. عدا ذلك فان القراءة بين سطور علاقة عين التينة والرابية لا تعطي افضلية الرئاسة لعون او ان رئيس المجلس يرتاح لعون رئيساً في قصر بعبدا ، فزيارة ميشال عون الى عين التينة لم تبحث وفق الاوساط في الملف الرئاسي والشق الاساسي فيها للاستحقاق الرئاسي. وبالتالي فلا ترابط بين ملف النفط والاستحقاق الرئاسي بقدر ما هي مؤشر لحلحلة في الملف النفطي قد ينعكس ويتوسع في المرحلة اللاحقة ليشمل ملف الرئاسة.
وترى الاوساط ان حركة جعجع لا تنطلق فقط من حسابات ضيقة على اعتبار ان جعجع يتحمس لوصول عون الى بعبدا لقطع الطريق امام خصمه في بنشعي او لوراثة الحالة العونية مسيحياً ورئاسياً ربما في المستقبل، فسمير جعجع يدرك ان حظوظ عون الرئاسية مفتوحة على كل الاحتمالات وهو يرغب ان يكون السباق في لعب دور في الموضوع الرئاسي حيث لم يجرؤ الآخرون، وبالتالي فان وجهة النظر المتفائلة تسوق لرئيس في فترة لا تتجاوز شهر آب المقبل وتقوم على موافقة كل اللاعبين المحليين والاقليميين، فرئيس تيار المستقبل حينها لن يجد مانعاً من القبول بعون رئيساً بعد موافقة السعودية طبعاً، خصوصاً ان الحريري يقوم بترتيب وضعيته السياسية التي قد تتحسن بوصوله الى السراي وهو الذي خرج بتدن كبير في الشعبية على الساحة السنية وهو بالتالي يحتاج الى الانخراط في الحكم لاعادة تعويم شعبيته التي فقدت بريقها في الضربة البلدية القاسية. وبالتالي فان كل المؤثرين واللاعبين على الساحة الداخلية باتوا بحاجة ماسة لانجاز الاستحقاق الرئاسي كل واحد وفق حساباته الخاصة واجندته السياسية، والاستحقاق كما بات واضحاً ربما سيفرج عنه قريباً ومن هنا استعجلت بعض القيادات الخروج من الظل لفتح الباب اما رياح الاستحقاق التي قد تهب كل لحظة.