IMLebanon

عون يهاجم ولا يحسم: «عليّ وعلى اعدائي»!

توتر مع بري وجنبلاط.. لا ثقة مع «المستقبل» وسلام

عون يهاجم ولا يحسم: «عليّ وعلى اعدائي»!

بات المشهد العوني مضبوطاً على ايقاع التعبئة السياسية العامة التي اعلنها العماد ميشال عون، وتحت شعار يبدو وكأنه «عليّ وعلى اعدائي». والتلويح بمعركة سياسية شرسة بالاتكاء الى الحشد الشعبي الذي بدأ يستدعى الى الرابية ودعوته إلى الاستعداد للنزول الى الشارع.

وما خلا علاقة عون الثابتة مع «حزب الله»، فإن خيوط علاقته بسائر القوى والمكونات السياسية، إما مقطوعة، وإما حذرة، وإما متآكلة، وإما هي على وشك ان تنقطع…

حرقٌ لكل المراكب بين الرابية واليرزة، وحرب مفتوحة على قائد الجيش العماد جان قهوجي تحت عنوان التعيين والتمديد، بهدف اخراج قهوجي من الميدان الرئاسي.

ومع عين التينة، جمر تحت الرماد وفوقه، وثمة مخزون كبير من الاسباب والتباينات التي يجري التعبير عنها كلما دعت الحاجة، وبري اصلا لا يستطيع ان يبلع «خطيئة» تعطيل المجلس الينابي، حتى لتشريع الضرورة، والتي يقودها عون الذي من يفترض أنه معه «في خندق واحد»!

امام كل ذلك، اضطر الرئيس نبيه بري لأن «يبقّ البحصة»: «كيف يرفض عون لغيره ما قبله لنفسه». وثمة تتمة لما استحضره بري من التاريخ وبيّن فيه أن ميشال عون نفسه، عندما كان قائدا للجيش، بادر الى تأخير تسريح اللواء محمود طي ابو ضرغم وضباط آخرين يصل عددهم الى العشرة.

ففي هذه التتمة اشارة الى خرق آخر لقانون الدفاع من قبل عون، فالمادة 49 من البند 3 من المرسوم الاشتراعي 102 (قانون الدفاع) تقول ما حرفيته: «لا يجوز الجمع بين الوظيفة العسكرية، وبين أي منصب وزاري، واذا كلف المتطوّع بمنصب وزاري، يجوز الاحتفاظ له بحق العودة الى مركزه بعد انتهاء ولايته في الوزارة».

هنا، وخلال تكليف عون رئاسة الحكومة في نهاية عهد امين الجميل، تم خرق تلك المادة من قانون الدفاع، وتم تجاوزه ببقاء عون ومعه ادغار معلوف وعصام ابو جمرة في مناصبهم العسكرية الى جانب توليهم الوزارة..

مع المصيطبة، نفور مستجد انما غير معلن. فالرئيس تمام سلام، ومنذ توليه رئاسة الحكومة، استطاع بهدوئه وانفتاحه على كل القوى، وبسياسة تدوير الزوايا التي يعتمدها وباحتوائه لكل الالتباسات، ان يفك اي اشتباك مع اي طرف حتى قبل وقوعه. الا ان انتصار سلام لحكومته، وانتقاده قبل ايام تعطيل الدولة والحكومة وتأكيده على عدم جواز هذا التعطيل من اجل موظف. استفز عون وفريقه.. لكن نار المواقف بقيت تحت الرماد.

مع بنشعي، في الضوء كلام «معسول» وتذكير دائم بتحالف معمّد بالود. واما في العتم، فيبدو ان العسل قد امتزج ببعض «الملوحة»، خصوصاً بعد تلك الصورة التي جمعت ميشال عون وسمير جعجع على منبر الرابية، والتي قدمتهما كممثلين وحيدين للمسيحيين، وكأن لا مكان في الساحة المسيحية لسليمان فرنجية ولا لأمين الجميل ولا لسائر الشخصيات المسيحية. وثمة كلام صريح أرسل الى الرابية، اعتراضات وتحفظات ومآخذ على ما سمي «اعطاء صك البراءة لسمير جعجع على حساب الحلفاء». وهناك من قال «برغم كل العواطف والابتسامات فمن المؤكد ان عون لم يربح، بل لن يربح جعجع، لكن الاكيد هو ان هناك من يريده أن يخسر الحلفاء».

مع بيت الوسط، نزول متجدد الى ساحة الاشتباك المفتوح، خاصة ان «الفيتو السعودي» قد يكون أيقظ عون، ولو متأخرا، من سبات حسابات ووعود «من بدا ان لا طاقة له على ان يفي بوعده»، والمقصود هنا سعد الحريري، كما يقول أحد السياسيين.

يقول العارفون، ان هناك نوعا من الندم على وقت ضاع لاشهر طويلة وبلا اية جدوى، فالفيتو السعودي ازاح الغمامة عن العيون البرتقالية، واسقط الهدنة التي كانت قائمة، وذهب بطعم «كاتو الميلاد الثمانيني»، وانهى مفعول الموائد واللقاءات والحوارات والمسايرات وافقدها قدرة ضخ الحلاوة على اللسان، واسقط العلاقة مع الحريري و «تيار المستقبل» الى حد باتت تحتاج فيه الى عصا سحرية لاعادة احياء عنصر الثقة فيها من جديد.

خسر عون الجولة الاولى من التعيينات العسكرية بالتمديد لمدير عام قوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص. وها هو يلمح، في بيان «تكتل الاصلاح والتغيير»، الى خسارة الجولة الثانية مع تأخير تسريح رئيس الاركان في الجيش اللواء وليد سلمان، قبل ان تحل الجولة الثالثة «الثابتة» بطعمها المر.

ـ ومع وليد جنبلاط، ثمة «فالق سياسي» يفصل بينهما من الاساس، فلطالما كان عنصر الثقة مفقودا، ولطالما كانت اسباب التوتر قائمة بينهما، ولكن مع وقف التصعيد المباشر والتوتير، إلى أن فتحت النار العونية على جنبلاط مجددا باستهداف خاصرتيه الوزاريتين وائل ابو فاعور واكرم شهيب، وهو امر يدخل العلاقة في دائرة الاحتمالات، وقد يفتحها على سجالات واشتباكات.

هناك، حتى من بين المقربين من عون، من لم ير مبررا للهجوم المستجد على جنبلاط، فأي فائدة منها، وهل نستطيع ان نحتمل فتح جبهة جديدة، بما فيها من توترات وضخ المزيد من الاحتقان؟

وهناك في المقابل من يراها حملة بمفعول رجعي، خاصة ان جنبلاط قد درج في الفترة الاخيرة على محاولة تكريس منطق التسوية للوصول الى مرشح توافقي لرئاسة الجمهورية، ودعوة من يعتبرون «المرشحين المسيحيين الكبار» الى سحب ترشيحاتهم لمصلحة مرشح تسوية نظرا لاستحالة وصول اي منهم الى رئاسة الجمهورية. فضلا عن ان جنبلاط لا يرى رئيسا غير توافقي في لبنان، ذلك لأن تجربة «الرئيس التحدي» جرّت وتجر على لبنان الويلات، ولا يمكن بأي شكل من الاشكال القبول بها مجددا لأن القوى السياسية محكومة بالتوافق. ومنطق جنبلاط هذا ليس بعيدا عن منطق نبيه بري و «تيار المستقبل» وكذلك العديد من القوى السياسية.

مع بكركي، صعود وهبوط في العلاقة، وخلاف دائم على شعار: «انا بطرك الموارنة»!

كل ما تقدم، جبهات عونية مفتوحة، وثمة شك كبير في ان يخرج عون منها منتصرا، بل ثبت في كل منها ان لا قدرة عونية على الحسم في الاتجاه الذي يرغبه الجنرال، حتى في ظل الدعم اللامتناهي له من قبل «حزب الله»، اذ أن حسم اي منها دونه عقبات ومطبات وتعقيدات، خاصة وان يد «حزب الله» وعون لا تستطيع ان تصفق وحدها بمعزل عن سائر القوى السياسية شأنهما في ذلك شأن سائر المكونات الاخرى.

وهنا، يورد احد السياسيين مثالا بالغ الدلالة وفيه ان فريق «8 آذار» يتقدمه «حزب الله» بلغ ذروة قوّته بعد عملية 7 ايار 2008، ولكن برغم هذا الفائض من القوة لم يستطع ان يأتي بميشال عون رئيسا للجمهورية بل تم الذهاب الى خيار ميشال سليمان. اما اليوم فالوضع مختلف تماما عن 2008، وكل الاطراف مأزومين، ولا قدرة لأي منهم على فرض ارادته على الاخر.

اكثر من ذلك يلفت السياسي المذكور، الى أن لبنان ذاهب في نهاية المطاف الى تسوية رئاسية، ولكن حتى الآن لم يحن اوانها بعد، وعندما تحين فستتم ترجمتها فورا بجلسة انتخابية يعقدها مجلس النواب. هنا حتى عون ومعه «حزب الله» لن يكونا قادرين على تعطيل تلك الجلسة، اذ ان تعداد نوابهما لا يجعلهما يمتلكان «الثلث المعطل» لنصاب تلك الجلسة المحدد بـ43 نائبا.

فمجوع نواب عون وكل الحلفاء الذين قد يقفون معه في هذه الحالة 42 نائبا (بعد وفاة النائب ميشال الحلو) موزعين على «تكتل الاصلاح والتغيير» و «المردة»، و «القومي»، و «البعث»، والارمن و «حزب الله». هذا ان سار كل هؤلاء مع عون، فكيف لو خرق بعضهم المنطق العوني ولم يسايره؟