أكثر من العام الماضي حين كان لا يزال هناك بعضٌ من أمل، حلّت ذكرى الاستقلال هذه السنة وسط مشاعر تراوح ما بين التحلّل والضياع والفوضى والمجهول. العجب العجاب أن الجيش وقوى الأمن تعمل، باقتدار وكفاءة، ولولاها لكانت اكتملت مواصفات الانهيار والفشل لأي بلد مرشح للسقوط في أيدي الارهاب. ومن تلك المواصفات، على ما أظهرته أزمتا اليمن وليبيا تحديداً، أن يتفاقم الانقسام السياسي بين مكوّنات المجتمع الى حدّ إلغاء الدولة بل مقاومة نهوضها، وإلى حدّ شلّ البلد وتعطيل السياسة نفسها، مع ما يستتبع ذلك من مَحْقٍ لقيم التسالم والتعايش. أما مَن يسأل “وماذا عن الوطنية؟” فيتلقّى الجواب: العوض بسلامتك، إنسَ…
أبرز ما سقط في الذكرى هذه السنة هو الرموز. لم يكن لهذا “الاستقلال” من يحتفل به. نعم، حاول المجتمع احياء المناسبة كيفما استطاع، لكن الاستقلال هو الدولة، وهو ما نراه في سائر الدول، كبيرة أو صغيرة. والدولة هي رئيس، رغم أن اللبنانيين يبالغون في الاعتياد على شغور المنصب كما لو أنهم في صدد اجتراح “جمهورية الرأس المقطوع”، كنموذج ما بعد حداثي لمنظومة الحكم. وها هم عمدوا الى اجراء تجاربهم الخاصة في علم السياسة، وتوصّلوا الى أن البلد يمكن أن يعيش في ظل دكاكين سياسية ما دامت هذه متمثّلة في ما يسمّى “حكومة”، وما دامت الدكاكين ابتكرت باسم “ميثاقية الطوائف” عُرفاً يجعل ممن تنتدبهم “وزراء” برتبة “رؤساء”.
هناك مستفيدون بلا شك من “فيديرالية دكاكين الطوائف” هذه، فهي تكرّس أوضاعاً بالغة الشذوذ، حتى اذا طالت يصار الى التكيّف معها، الى أن تصبح طبيعية. وقد حصل في هذه التجربة ما هو مزعج، وغير متوقّع، اذ اكتشفت زعامات الدكاكين أنه لا يزال هناك شيء اسمه “المسؤولية العامة”، وقد أقلقها ذلك لفترة حين كبرت قضية النفايات حتى أصبحت تدعى أحياناً “قضية وطنية”، إلا أن الزعامات وجدتها مناسبة للصمود والإصرار على مواقفها الى أن يعتاد الناس على التعايش مع قاذوراتهم، وقد حصل. فكل دكانة تريد رمي أوساخها عند الاخرى، ولا ترضى بأن تلوّث. ورغم شهور من الدرس والبحث لم يتوصل “رؤساء الوزارات” الى ايجاد مناطق لا تستحي أي طائفة/ دكانة بأن تستقبل فيها نفايات كل الطوائف/ الدكاكين.
في سياق المنهج السائد، ساد الظنّ بأن حلّ أزمة النفايات صار مرتبطاً بمصير الأزمة السورية، وعلى المنهج نفسه يجري التداول في تسوية سياسية “شاملة” يفترض أن تتضمّن انتخاب رئيس للجمهورية. ذاك أن دكانة “حزب الله” المدججة بالسلاح غير الشرعي والمفاخرة بأنها أقوى من الدولة وصلت الى نهاية مناوراتها مع دكانة ميشال عون. وما دامت حظوظ المرشح الأصيل تراجعت فإن “حزب الله” يدفع بسليمان فرنجيه كمرشح بديل.