بمثل الصمت الذي رافق المبادرة الرئاسية التي اطلقتها الرابية وبدون ضجيج كبير هكذا انطفأت المبادرة بعد ان انهى وفد التكتل العوني جولته على القيادات السياسية، فلا كلام يقال اكثر من الكلام الذي قيل في الجولة، فلا التكتل نجح في تسويق مبادرته ولا المنتقدين للمبادرة وفقوا في اعطاء مبرر منطقي لرفض غير المتحمسين للمبادرة، وهكذا انطفأت شمعة المبادرة على حدّ قول مصادر متابعة، التي حملها موفدو التيار وهي اصلاً غير مشتعلة بعد ان تبين ان المبادرة كما كل المبادرات التي اطلقتها الرابية ومن سبقها من اجل حل للفراغ الرئاسي الذي صار عمره سنة هي مبادرات غير مجدية ولا توصل الى مكان طالما ان الاستحقاق لا يقرره اللبنانيون وحدهم ولا يتقرر داخلياً فقط، انما يحتاج الى توافر الرضى والقبول الإقليمي الدولي.
وهكذا يمكن القول ان المبادرة كغيرها وضعت على رف الانتظار بعد ان ظهر ان الجولة على معراب والصيفي كما على المستقبل وكتلة التنمية والتحرير في غير محلها ولا توصل الى اي مكان بعدما اجمع كل هؤلاء على ان المبادرة تضرب الميثاقية والنظام البرلماني اللبناني وبانها تشبه البدع الاخرى لزعيم الرابية. وفي حين حاولت بعض الكتل التهرب من المسؤولية واطلاق الرصاص على مبادرة عون فان كتلاً اخرى عمدت الى اجهار موقفها صراحة والتشويش على المبادرة، فكتلة المستقبل قبل لقاء الوفد العوني وبعده كانت واضحة في رفضها البدع التي تشرع البلاد والنظام الديمقراطي على مخاطر كثيرة، فالمستقبل يعتبر المبادرة انقلاباً على الدستور والنظام وتتلاقى مع ما يريده حزب الله للاطاحة بالطائف واطلاق المؤتمر التأسيسي.
وإذا كان موقف الخصم في المستقبل لا يمكن ان يكون إلا بمثل هذه السلبية تجاه اي خطوة من الرابية، فما لا يمكن فهمه هو موقف عين التينة تقول المصادر، الذي يبدو قريباً من توجه المستقبل لرفضها بدون اي موقف علني وصريح، فرئيس المجلس الذي لم يستقبل وفد الرابية بل اوكل المهمة والدور الى ممثليه في كتلة التنمية والتحرير لن يصفق للمبادرة العونية ولألف سبب وسبب وعلى خلفية التجاذبات الواقعة بين عين التينة والرابية من جهة حول العديد من الملفات والأحداث، ولأن مبادرة من هذا النوع لا يمكن ان تنطلق بدون توافق إقليمي ودولي حولها، كما ان اللقاء في كليمنصو ليس بعيداً عن الحالة الرفضية نفسها، فاللقاء مع الاشتراكي جديده كان تيمور وليد جنبلاط بعدما غاب الاصيل وحضر الوكيل وفي ظل تمسك الاشتراكي بترشيح هنري حلو.
وعليه فان مبادرة الرابية ولدت ميتة تؤكد المصادر، وغير قابلة للحياة مهما جرى انعاشها ومدها بمقومات الحياة لأنها أولاً لا تحظى بمباركة الاخصام وبعض الحلفاء ولأنها تحتاج الى قرار إقليمي ودولي في ما يخص الانتخابات من الشعب.وبالنسبة الى المنتقدين فان هدفها معروف وهي عبور عون الى قصر بعبدا ليس اكثر وحيث سيتم ضرب الطائف في هذا السبيل.إلا ان السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق طالما ان حظوظها ما دون الصفر فلماذا اطلق عون هذه المبادرة وفي هذا التوقيت بالذات؟
يدرك عون كما يقول المتابعون ان المبادرة لن يكتب لها النجاح وهو على اطلاع مسبق بردود الفعل وكل ما يقال لا بل هو ذهب ابعد من ذلك بكثير بتوقع الأسوأ من كل ما ورد، ولكن عون اراد حشر الجميع مجدداً في الزاوية، وبالتالي نزع صفة التعطيل التي تلصق به وبفريقه بفرض الفراغ وحيال مصير الرئاسة، هو يريد ان يظهر من يتلاعب بمصير الرئاسة امام الجميع ومن يفرض التمديد ولا يريد تعيين قائد للجيش والحاق المؤسسة العسكرية بمصير رئاسة الجمهورية وانه لا يزال يطلق المبادرات ومتمسك بترشيحه لانه الاحق بالرئاسة باعتباره يتربع على رأس اكبر كتلة نيابية مسيحية في المجلس النيابي. وهي ايضاً رسالة الى الجميع بان عون ليس وحده بل هو يحظى بمباركة حزب الله في المعركة الرئاسية وعلى كل الأفرقاء الاخذ بعين الاعتبار اهمية التفاهم الشيعي والمسيحي في شأن الرئاسة الاولى في هذا الظرف السياسي والأمني الدقيق.