لم تنشرح أوساط مُتابعة بدقّة لمواقف “حزب الله” لتأكيد “الموقف هذا النهار” يوم السبت الماضي أن المرشّح للرئاسة النائب سليمان فرنجيه “خسر فرصة” التربّع على سدَّتها. كما لم تنشرح لاعتبار الإعلام اللبناني في مُجمله أن رفضه لمبادرة الرئيس سعد الحريري الرئاسيّة كان نتيجة عدم إطلاعه من حليفه فرنجيه على مفاوضاته كلها مع الحريري، ومع الجهات الأميركيّة والفرنسيّة والفاتيكانيّة والسعوديّة. وقد أقلقه ذلك هو “الشكوك” أساساً والمقتنع بأن استهدافه من أعدائه قرار متّخذ من زمان وجار تطبيقه.
أمّا عدم الانشراح المشار إليه فيعود إلى أمرين. الأوّل الخشية من وجود محاولة لإبعاد فرنجيه، أحد الزعماء المسيحيّين الأقوياء الأربعة في البلاد، عن فريق 8 آذار، و”لضربه” بالزعيم القوي الآخر العماد ميشال عون، ولإضعاف التأييد المسيحيي لـ”حزب الله” الذي وفّر له تغطية مهمّة في مرحلة صراع إقليمي حاد اتَّخذ طابعاً مذهبياً. والأمر الثاني هو معرفة “الأوساط المتابعة” نفسها أن ما “أجمع” عليه الإعلام على تنوّعه وتناقضه فيه الكثير من الصحة كما فيه الكثير من الخطأ. وانطلاقاً من هذه المعرفة رأت أنّ اطلاع الرأي العام على بعض معلوماتها عن هذا الموضوع أمر ضروري.
ماذا تفيد هذه المعلومات؟
تفيد أولاً أن المرشّح سليمان فرنجيه أطلع “حزب الله” على تفاصيل المبادرة الرئاسية، سواء المتعلّقة “بمفاوضاته” مع الحريري أو بالاتصالات بينه وبين الجهات الدولية والإقليمية المعروفة. ويعني ذلك أن “القلق” الحليف الذي ظهر في وسائل الإعلام لا مبرّر له.
وتفيد ثانياً أن “حزب الله” صمد مع فريق 8 آذار أكثر من سنة ونصف سنة في وجه الضغوط المحليّة والعربيّة والإقليميّة والدوليّة التي مُورست عليه للتنازل عن “موقفه الرئاسي”، وتالياً تسهيل ملء الشغور بشخصيّة مُعتدلة غير موالية له أو لأعدائه. ونتيجة صموده حصل على عرض من هؤلاء، وتحديداً من زعيم “تيار المستقبل” سعد الحريري، يقضي بانتخاب واحد من أبرز الرموز المسيحيّة الحليفة له. لكنّ التطوّرات الإقليمية التي حصلت في المدة المشار إليها وتطوّرات المواقف الدوليّة أعادت بعض القوّة إلى نظام الأسد في سوريا، كما بدأت تؤسّس لتعاون وإن في ظل استمرار العداء أو الخصومة. ويمكِّن ذلك “حزب الله” من الحصول إما على كل شيء أو على حصة أكبر من “الكعكة” اللبنانيّة وفي أكثر من مجال.
وتُفيد المعلومات نفسها ثالثاً أن المرشّح فرنجيه الذي لم يخطئ في الاستراتيجيا مع “حزب الله”، وإنّما بالتكتيك، وصاحب النيّات الصافية الصادقة، قد يعود مرشّحاً للرئاسة مدعوماً منه ومن فريقه لاحقاً، رغم اهتزاز الثقة بعض الشيء، ورغم الشعور بـ”النقزة” في الانتقائية التي اعتمدها عند إطلاعه على تحرّكه الرئاسي قبل أشهر أميركياً وفرنسياً وفاتيكانياً وسعودياً. وهي “نقزة” جعلته يخشى تصرّفه معه لاحقاً على طريقة السياسيّين المحترفين في لبنان.
وتُفيد المعلومات نفسها رابعاً أن عودة فرنجيه مرشّحاً للرئاسة برضى “الحزب” لن تحصل إلا إذا قرّر مرشحه الرسمي ميشال عون أنه لم يعد يريد الرئاسة، وأنه لا يُمانع في تربُّع نائب زغرتا على سدّتها. وتُفيد في الوقت نفسه أن اعتبار عون مرشّحاً رسمياً لـ”الحزب” وفرنجيه وسياسي آخر مرشّحاً فعليّاً لم يعد دقيقاً أو بالأحرى لم يعد ينطبق على الواقع. فهو صار المرشّح الرسمي والفعلي وعلى الأرجح الوحيد له، أو سيُصبح كذلك إذا نجح (أي “الحزب”) في الصمود مرّة ثانية بضعة أشهر ينجلي خلالها غبار التطوّرات الميدانية العسكريّة الحامية والقاسية، وغبار التطوّرات السياسيّة والمفاوضات الجارية وراء الكواليس بين عواصم الدول الكبرى والعواصم الكبرى في المنطقة لانهاء الحرب في سوريا والاتفاق على تسوية سياسيّة للنزاع المزمن والمتشعّب، وإذا رشّحته “القوات” قريباً. أما هذا التحوّل الإيجابي جداً لمصلحة عون المرشّح للرئاسة داخل “حزب الله”، إذا أجيزت تسميته تحوّلاً، فيعود إلى اقتناعه بأنه قادر على ممارسة الحكم رغم الشكوى من تقلّص صلاحيّات رئيس جمهورية لبنان، ورغم الحكومة وخصوصاً إذا ترأسها زعيم سنّي مهم مثل الحريري، وفي ظل أكثرية نيابيّة مؤيّدة له وإن غير كاسحة. وهذا أمر لا يمكن الجزم أن فرنجيه “الرئيس” سيفعله لاعتبارات عدّة رغم شخصيته وجرأته، ذلك أن الحكومة قد تتحكّم فيه وتعطّله.
بماذا ترد “الأوساط المتابعة” الأخرى مصدر معلومات “الموقف” يوم السبت الماضي على معلومات اليوم؟