Site icon IMLebanon

عون ــ برّي: وجهتا نظر للفراغ

تلاحق الايحاءات الايجابية باحتمال التوصل الى قانون جديد للانتخاب تمهد لامرار جلسة مجلس النواب الاثنين المقبل، الاخيرة في العقد العادي الاول، كما لو انه يوم عادي، سواء التأم أم لا. ليس آخر الدنيا قبل الوصول الى 19 حزيران

ليست اشارات التفاؤل في الساعات الاخيرة محض مصادفة، مقدار ما رمت الى تبرير الحاجة الى صدور مرسوم عقد استثنائي لمجلس النواب، قبل جلسة البرلمان الاثنين 29 ايار، يفتح الباب على انعقاده في الاسابيع الثلاثة الاخيرة في عمر ولايته.

ما ينتظر العقد الاستثنائي مهمتان لا ثالث لهما: اقرار قانون جديد للانتخاب يقترن بتمديد تقني ثلاثة اشهر، او تعديل المهل المنصوص عليها في قانون الانتخاب النافذ فسحا في المجال امام العودة الى احكامه. كلتا الوظيفتين المنوطتين بالعقد الاستثنائي تفضي الى قاسم مشترك هو اجراء الانتخابات النيابية حتما في ايلول. الا ان احدا لا يسعه ان يجزم تماماً بالقانون.

منذ شباط الفائت يُبتكر تدبير تلو آخر في استنفاد مهل اجراء الانتخابات، والتعويل على تاريخ تلو آخر وموعد تلو موعد، دونما الرغبة في التوصل الجاد الى قانون جديد للانتخاب، وفي الوقت نفسه تفادي اي من الافرقاء تحمّل وزر العودة الى قانون 2008. على ان المشكلة الفعلية، والبلاد على اعتاب فراغ حقيقي لم يعد في وسع اي من الاقطاب والكتل والافرقاء تجاهله او البحث عن زواريب للنفاذ منه، باتت تكمن في وجهتي نظر متناقضتين، هي جزء من خلاف لا يزال يرافق العهد منذ اليوم الاول: رئاسة الجمهورية في مكان، ورئاسة مجلس النواب في مكان آخر.

لا يتدخل نصرالله بين عون وبري كي لا يصبح «غازي كنعان جديدا»

يوماً بعد آخر يبتعد الرئيسان ميشال عون ونبيه بري احدهما عن الآخر اكثر فأكثر، من غير ان يتمكن اي وسيط من تذليل تباعدهما، بما في ذلك حزب الله اذ يجد نفسه يمسك كفتي الميزان من غير ان يرجح احداهما على اخرى. لم يتدخّل على النحو الكافي لتبديد التناقض بين الرئيسين منذ اليوم الاول لانتخابات الرئاسة: خلافاً لبرّي ايد الحزب انتخاب عون رئيساً، لكنه اطلق يد حليفه الشيعي في التفاوض على تأليف الحكومة. الحال نفسها، بعد سلسلة من طويلة من التنافر في الاشهر السبعة الاولى من السنة الاولى للولاية الرئاسية، ابانها لم يزر رئيس المجلس رئيس الجمهورية مرة ما خلا احتفالات رسمية، الى ان وصل هذا التنافر الى ابعد من قانون الانتخاب، هو احتمال الفراغ في السلطة الاشتراعية.

على مر العلاقة المتوترة بين الرجلين، اتى مَن ينسب الى بري كلاماً لم يعقّب مرة عليه، هو انه لم يقترع لعون في الرئاسة لأن المطلوب انتخاب رئيس واحد للجمهورية لا اثنين. ثم اتى ايضا في ما بعد مَن يحلو له تشبيه علاقة رئيس الجمهورية برئيس المجلس بالتي كانت بين الرئيسين الياس هراوي وحسين الحسيني بذريعة ان الثاني تحمّل انتخاب الاول على مضض، بينما الاول راح يحدث دمشق في استحالة التعايش مع الآخر، الى ان افضت انتخابات 1992 الى انتقال رئاسة المجلس الى بري.

بالتأكيد ظروف ذلك الزمن مختلفة عن الحاضر الآن، كما طبيعة المرجعية المؤثرة وإن بالقول ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حل محل دمشق في ادارة النظام. لعله السبب الذي يحمل البعض المهم في الحزب عندما يُسأل عن سبب عدم تدخّل نصرالله في الخلاف بين حليفيه، يجيب ان نصرالله لا يريد ان يصبح «غازي كنعان جديدا».

وقد يكون مغزى انعقاد جلسة 29 ايار، الاثنين، جزءاً لا يتجزأ من التناقض الحاد، غير الدائر على السطوح، بين رئيسي الجمهورية والمجلس. لكل منهما وجهة نظر مناوئة للاخرى.

يريد بري من جلسة 29 ايار ابقاء المبادرة بين يدي مجلس النواب إما لاقرار قانون جديد للانتخاب، او الذهاب الى تعديل المهل في القانون النافذ توطئة لاجراء الانتخابات النيابية وفق احكامه بما في ذلك التمديد التقني. تبعا لذلك يرفض على نحو قاطع الفراغ الكامل ويعارض قانون 2008 ويلاقيه في ذلك على نحو صارم حزب الله، لديه اقتراحات قانون جديد للمناقشة تنطلق من النسبية. بيد ان ايا من الخيارات هذه يقتضي ان يمر من خلال السلطة الاشتراعية حتى اللحظة الاخيرة من الولاية سواء في عقد عادي او استثنائي، وهو بذلك يرفض «إعدام» البرلمان بذريعة عدم التوافق على قانون جديد للانتخاب. لا يريد بري ــ وإن للحظة ــ ابصار البرلمان في فراغ لا يسع احد التكهن ــ ما ان يقع ــ في ما قد يقود البلاد اليه في المؤسسات والسياسة والامن.

على طرف نقيض منه، فإن بضعة مواقف اطلقها رئيس الجمهورية اوحت بأن لديه مقاربة اخرى للانتخابات، هو ما قيل ان بين يدي الرئيس صلاحيات دستورية لم يستخدمها بعد، تمكنه من اخراج الانتخابات النيابية متى تعذر التوافق على قانون جديد للانتخاب. اذذاك طفا الى السطح الكلام عن المادتين 25 و74. يتوخى تطبيقهما اعتماد قياس واحد هو ان نهاية الولاية القانونية للمجلس مشابهة لمرسوم حله، اذ تفضي الحالتان الى نتيجة واحدة هي الفراغ الكامل، ما يقتضي المبادرة الى دعوة الهيئة الناخبة الى انتخابات نيابية عامة في غضون ثلاثة اشهر وفق ما تقول به المادة 25.

على ان ما يعنيه تطبيق هاتين الاولى، وهو ما لمح اليه رئيس الجمهورية عندما تحدث عن المخرج حينما يتعذر الاتفاق على قانون جديد للانتخاب وانقضاء الولاية، الذهاب الى فراغ في السلطة الاشتراعية تبادر على الاثر الحكومة بدعوة الهيئات الناخبة الى انتخابات عامة وفق القانون النافذ. ليست المشكلة هنا في القانون النافذ، بل في انتظار وقوع الفراغ، ومن ثم توجيه الدعوة بعدما ان يكون مجلس النواب فقد نهائيا وتماما شرعيته وكيانه القانوني كاملا، وتالياً ايصاد ابواب ساحة النجمة دستورياً وسياسياً. في المغزى السياسي للفراغ تكمن اهمية هذا الاجراء، لا في العودة الى قانون 2008 فحسب. ذلك ان سلسلة المواقف الاخيرة للرئيس اظهرت اعادة ترتيبه الاولويات: الانتخابات قبل القانون. إما بقانون جديد او بالقانون النافذ.

ما تعنيه ايضا المادة 25 انه لا تعود ثمة حاجة الى تمديد تقني، فيسع رئيس الجمهورية القول انه حال دونه في جلستي 13 نيسان و29 ايار وفي اي وقت آخر، ولا حاجة الى تعديل المهل القانونية والبند المتعلق باقتراع المغتربين في مجلس النواب لا وجود له، ووضع المبادرة من ثم بين يدي الحكومة فحسب.