IMLebanon

عون «المتضرّر الأكبر» من المواجهة السعوديّة ــ الإيرانيّة هل يتّخذ خطوات تصعيديّة ويقلب الطاولة على الجميع؟

مع سقوط كل جلسة لانتخاب رئيس جديد للبلاد، يقوم رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي بإرجاء الجلسة لمدّة ثلاثة أسابيع، على أمل حصول تطوّرات مُعيّنة تُؤدّي إلى خرق ما في هذا الملفّ الحسّاس والمُهمّ في الوقت عينه. لكنّه تعمّد في المرة الماضية إضافة يوم إلى الأسابيع الثلاثة المعهودة للتأجيل، وذلك حتى لا يُصادف ربّما موعد الجلسة تاريخ الأوّل من نيسان، علماً أنّ مسألة عقد جلسات للإنتخاب في ظلّ غياب الحد الأدنى من التوافق الداخلي، ومن الغطاء الإقليمي والدَولي، هو أكثر من كذبة الأوّل من نيسان! وبالتزامن مع الإنتهاء المُتوقّع لجلسة الثاني من نيسان، التي هي الجلسة الواحدة والعشرون التي يفشل فيه مجلس النواب في إنتخاب رئيس، تزداد الأمور تعقيداً أكثر فأكثر. والسبب أنّ الصراع الإقليمي بين الجُمهورية الإسلامية الإيرانيّة والمملكة العربيّة السعودية، إنتقل من مرحلة «الحرب الباردة» إلى مرحلة «الحرب الساخنة» إذا جاز التعبير، بشكل أسقط كلّ الآمال السابقة التي كانت تُعوّل على حصول تقارب إقليمي قد يَنسحب حلحلة على مُستوى الملفّ الرئاسي اللبناني. ويبدو أنّ حظوظ رئيس تكتّل التغيير العماد ميشال عون كمرشّح للرئاسة هي الأكثر تضرّراً، نتيجة المعارك المُستجدّة في اليمن.

وبحسب أوساط سياسيّة، إنّ العماد عون هو أكثر من مُحرج إزاء ما حصل ويحصل في اليمن، حيث أنّه ليس قادراً على مُجاراة حليفه الرَئيس، أي «حزب الله»، في حملته الإعلاميّة الشرسة على السعوديّة والدول المُتحالفة معها ضد ما وصفه «الحزب» بالعدوان على اليمن، لأنّه بذلك سيَقضي على أيّ أمل بحصوله يوماً ما على غطاء سعودي وخليجي وعربي لترشّحه إلى منصب الرئاسة. وهو في الوقت عينه ليس قادراً على دعم التحرّك العسكري السعودي مع الدول الحليفة، لأنّه سيَقضي على تحالفه الإستراتيجي مع «حزب الله»، ومن خلفه كل المُحور السياسي الذي يُمثّله «الحزب» على الساحة اللبنانيّة.

وأضافت الأوساط نفسها، أنّ «حزب الله» لم يتردّد وعلى لسان أمينه العام السيّد حسن نصر الله في إدانة السعوديّة بالإسم، وفي إنتقاد تدخّلها العسكري بأشدّ العبارات، لأنّ تموضعه السياسي واضح ومُحدد، شأنه في ذلك شأن العديد من الشخصيّات السياسيّة التي تدور في فلكه، والتي لم تتردّد في مهاجمة السعودية. والمبدأ نفسه ينطبق بشكل معاكس، على كل من رئيس «تيّار المُستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ورئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» الدكتور سمير جعجع اللذين لم يتردّدا بدورهما في إعلان دعم السعودية والدول الحليفة. ومثلهما فعلت أكثر من شخصيّة محسوبة بشكل مباشر أو غير مباشر على المحور السعودي. حتى أنّ رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» النائب وليد جنبلاط تخلّى عن التموضع الوسطي الذي يعتمده في بعض الملفّات، وسارع إلى الإصطفاف إلى جانب المملكة السعودية في الملفّ اليمني، بعد أن وازن بين أغلبيّة عربيّة من جهة وإيران وقلّة من الدول والأطراف العربيّة من جهة أخرى.

ولفتت الأوساط السياسيّة عينها إلى أنّ المعركة القائمة في اليمن حالياً ليست وليدة ساعتها أو مُجرّد صُدفة محصورة في الزمان والمكان، بل هي نتيجة تراكمات لصراع إقليمي طويل بين محورين كان بلغ ذروته مع الحرب في سوريا المُستمرّة منذ أربع سنوات، قبل أن ينفجر بهذا الشكل العلني الفاضح والمباشر في الأحداث العسكريّة الأخيرة في اليمن. وتابعت الأوساط بالتأكيد أنّ هذا النوع من الصراعات لا يحتمل المواقف الرماديّة، حيث أنّه يكشف حقيقة مواقف كل الأفرقاء السياسيّين من التكتّلات ومن المحاور المُتواجهة.

من هنا، أضافت الأوساط السياسيّة، إنّ «الجنرال» عون هو الأكثر تضرّراً مما يحدث، لأنّه عاجز عن الإنحياز العلني لهذا الطرف أو ذاك، ولأنّ إطلاق مواقف منخفضة السقف وغير مُنحازة إلى أيّ طرف، في محاولة لحفظ خط الرجعة عندما يحين موعد التسويات، لن يكون موضع ترحيب من أيّ من محوري المُواجهة. وتابعت هذه الأوساط أنّ الدعوات الطُوباويّة لحلّ الأزمة بالحوار من دون أن تُرفق بموقف حازم ممّا يحصل، لن يكون تفسيرها لدى طرَفي المُواجهة الحالية سوى نوع من الهروب إلى الأمام عندما حان وقت الجدّ! وقالت إنّ عدم مجاهرة الرئيس برّي بموقف علني منحاز قد يكون مُبرّراً إنطلاقاً من موقعه الرسمي، وبهدف حفظ خطوط التواصل السياسي مع دول الخليج، وكذلك بهدف حفظ مصالح اللبنانيّين الإقتصادية فيها، لكن غياب «الجنرال» عن أزمة اليمن لا يُفسّر إلا تهرّباً من المجاهرة بموقف واضح، إنطلاقاً من الحفاظ على مصالح شخصيّة.

وأشارت الأوساط السياسيّة نفسها إلى أنّ تمسّك العماد عون بترشيحه في ظلّ الأوضاع الإقليمية غير المُؤاتيّة، وفي الوقت الذي تضغط فيه مواعيد إحالة القادة العسكريّين إلى التقاعد، ما لم يتمّ تمديد فترة خدمتهم، يعني أنّه يلعب «صُولد»، حيث أنّ نسبة خسارته للرئاسة ولمنصب قيادة الجيش معاً، آخذة بالتصاعد، لأنّ أيّ طرف محلّي أو إقليمي لن يُقدم على التنازل للآخر في خضم مرحلة المواجهة المُحتدمة، بل سيعمد إلى عرقلة وصول أيّ شخصيّة محسوبة على الطرف الآخر بشراسة أكبر. وحتى عند إنقشاع غُبار المعركة مُستقبلاً، لن يكون من السهل تقديم التنازلات، ما لم يكن هناك رابح وخاسر، يفرض شروطه بالقوّة على طاولة التسويات، ويكون راضياً وواثقاً تماماً من الشخصيّة التي سيدعمها.

وتوقّعت الأوساط السياسيّة أن لا تنحسر معركة اليمن في المستقبل القريب، وأن لا تختفي إرتداداتها في المرحلة المقبلة، الأمر الذي يعني أنّ إنتظار «الجنرال» بمواقفه الرماديّة سيطول، بحيث قد يحين موعد تعيين المسؤولين الأمنيّين، من دون أن تتبرّع أطراف عدّة لدعم خيارات العماد عون بالنسبة إلى قيادة الجيش، طالما أنّ مسألة رئاسة الجمهورية ومختلف التوازنات السياسيّة الداخليّة لم تُحسم، ما سيرفع إحتمال خسارته لمعركة قيادة الجيش أوّلاً، قبل أن يكتشف أنّ قطار إنتخابات الرئاسة قد فاته أيضاً. والخوف الأكبر، بحسب الأوساط السياسيّة نفسها، أن يعمد «الجنرال» عند إدراكه لهذا الواقع، إلى إتخاذ خطوات تصعيديّة كبيرة وغير مسبوقة لقلب الطاولة على الجميع، إنطلاقاً من مبدأ «عليّ وعلى أعدائي يا ربّ!».