IMLebanon

عون يكسر عرف الرئاسة وقيادة الجيش؟

تتفاقم يوماً بعد يوم المشكلة الدستورية والميثاقيّة والمؤسساتية التي يتركها غياب رئيس الجمهورية، حيث تطرح مع اقتراب أيّ استحقاق مفصلي، إشكالية، وتكثر التحليلات والاجتهادات عن قانونيّة أيّ قرار تتخذه الحكومة.

ما زال رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون متمسّكاً بترشّحه لرئاسة الجمهورية، على رغم حظوظه شبه المعدومة نتيجة التغيّرات الإقليميّة والخلافات الداخلية، وعدم اتفاق المسيحيين عليه مرشّحاً رئاسياً. وفي هذا السياق، من المستبعد حتّى هذه اللحظة، أن تؤيّد معراب عون رئيساً. فإذا كانت «القوّات اللبنانية» تملك قطعة من مفتاح وصوله الى بعبدا، إلّا أنها لا تستطيع تحمّل تبِعات وصوله، أو تضمن تصرفاته تجاهها، أو موقفه من القضايا الوطنيّة الخلافيّة.

وفي انتظار جلاء صورة الإستحقاق الرئاسي خارجياً، يواصل تكتّل «التغيير والإصلاح» مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس، مُبرّراً تصرّفه هذا بأنه حق دستوري للنوّاب، تحت ذريعة التمسّك بالرئيس القوي الذي يمثّل المسيحيين، ويُعيد لهم حقوقهم.

قد يكون مطلب التكتل محقّاً، ويطمح إليه كلّ مسيحي يرى غبناً وعدم توازن في ممارسة السلطة، لأنّ المسيحيين مهمّشون. لكن هل ينتبه عون والتكتّل إلى أنّ مطالبتهم بتعيين قائد جديد للجيش في ظل غياب رئيس للجمهوريّة، يقضي على ما تبقّى من صلاحيات الرئاسة الأولى، خصوصاً أنّ العرف يقضي بأن يُعيّن قائد الجيش مع بداية كل عهد جديد، حيث يطرح الرئيس الأسماء المرشحة لتوَلّي هذا المنصب على مجلس الوزراء ويُعيّن القائد؟ وكيف يرضى عون الذي يرفع شعار استعادة حقوق المسيحيين بتجريد الرئيس من هذه الصلاحيات، ويسمح للحكومة بتعيين قائد جيش، بدلاً من أن يكون أوّل المعترضين؟

إنّ المَسّ بقيادة الجيش استدرَكته المراجع الدينيّة المارونيّة منذ أشهر، حيث اعتبرت في اجتماعات مغلقة عقدتها في كسروان، أنّ هناك نيّة لضرب قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية معاً، والتصويب على قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي أثبَت تميّزاً في أدائه العسكري وجَنَّب لبنان كارثة وطنية تعانيها بلدان الجوار.

وقالت إنّ المسّ بقيادة الجيش هو خط أحمر، ومن يصوّب عليه يقترب من هذا الخطّ، أمّا تَخطّيه فممنوع، لأنّ قيادة الجيش بالنسبة إلى الموارنة والمسيحيّين توازي بأهميتها رئاسة الجمهوريّة، ولن يقبل الموارنة بمزيد من تراجع حضورهم في الدولة.

وفي وقت تَرفض كلّ الاحزاب المسيحية وبكركي والرهبانيات والمرجعيات الدينية الفراغ في قيادة الجيش أو استغياب الرئيس، ويُلاقيها في موقفها هذا الشركاء المسلمون نظراً لتحديات المرحلة وخطر تمدّد الإرهاب، والخوف من انفلاش الوضع الداخلي والعودة الى سيناريو 1975، يُكمِل عون معركته الرئاسية في كلّ مكان، ويستعمل أسلوب تحطيم المرشحين أينما وجدوا بدلاً من جذب المؤيّدين له، ما يدفع البلاد الى مزيد من الشرذمة والفراغ المؤسساتي.

ومن جهة ثانية، يطلّ شبح المؤتمر التأسيسي ليزيد الخوف على الوضعية المسيحية المهتزّة أصلاً. إذ إنّ هذه النغمة عادت إلى الصالونات السياسية ويستعدّ البعض إلى طرحها لجَسّ النبض، علماً أنّ موضوع المثالثة يطرح في كل مناسبة. فمَن المستفيد من إضعاف مسيحيّي لبنان، خصوصاً أنّ النيل من وجودهم في السلطة يلاقي ما تفعله «داعش» في حقّ مسيحيّي الشرق وتدمير الآثار السريانية والكلدانية والآشورية في العراق وسوريا؟

والخوف الأساسي أن يتحوّل قصر بعبدا متحفاً يدمّر مع إشراقة كل شمس يغيب فيها الرئيس عن قاعاته، وممارسة دوره الوطني الذي يكفل وحدة لبنان ويعطي أماناً لمسيحيّي الشرق.