يدرك رئىس الجمهورية العماد ميشال عون ان الفوضى السياسية العارمة في الغابة اللبنانية التي حركها وجوب اقرار قانون انتخابي جديد، لا تعود اسبابها الى الخلافات حول جنس القانون، بل ان وراء الاكمة ما وراءها وان «الجهاد الاكبر» الذي اعلنه رئىس مجلس النواب نبيه بري من جنيف قبل انتخاب عون رئىسا للبلاد، بدأت مفاعيله تظهر على الارض وان القانون الانتخابي المطلوب ليس سوى وسيلة متعمدة لايقاع العهد العوني الواعد في حروب الهاء تبدأ ولا تنتهي، خصوصا وان الثنائىة المسيحية التي وحدتها «ورقة اعلان النوايا» كانت مفاجأة غير متوقعة وصادمة لكثير من الافرقاء السياسيين الذين توقعوا ان لا تتعدى مفاعيلها الحبر على الورق وضعت قيد التنفيذ الميداني الذي كان من الاسباب التي اوصلت عون الى قصر بعبدا بعدما كان الامر يصب في خانة المحظورات وفق اوساط برتقالية تحسن قراءة الافاق.
اذا القصة ليست قصة قانون انتخابي بل حكاية قلوب ملآنة فعون وفق اللاعبين على الحلبة بولدوزر سياسي لا يقف في وجهه موانع طبيعية او مصطنعة وهمه الوحيد والاساسي ارساء ركائز دولة عصرية واستكمال مسيرة الرئيس الراحل فؤاد شهاب الذي «نجح في بناء دولة وفشل في بناء وطن» وفق كلامه الشهير وان انتاج قانون انتخابي عصري يعتبر الخطوة التمهيدية الاساسية لاطلاق مسيرة العهد العوني، وان تضارب مشاريع القوانين المقترحة من الاكثري الى النسبي الى المختلط وصولا الى التأهيلي والعودة الى نغمة الستين معدلا كمخرج ان دل على شيء فعلى ان بعض اللاعبين يسعون الى تجويف العهد الجديد وابقاء القديم على قدمه من خلال تكريس الطبقة السياسية الحاكمة لمواقعها ومنع الوصول الى قانون يتيح تداول السلطة وفق الاوساط نفسها وان ثمة صراعاً صامتاً بين عون وبري لم يطف الى السطح تعود جذوره الى عودة عون من المنفى الباريسي وتشكيله «التسونامي» الذي حصد احدى اكبر الكتل النيابية وانتزاعه جزين من عباءة المصيلح وهذا الامر وان ابتلعه بري الا انه لم يهضمه على الاطلاق.
وتضيف الاوساط ان المراقبين لم ينسوا جلسة انتخاب عون وما احاط بها من «زكزكات» كادت تخرجه من ثيابه ومن الجلسة الى حد ان بري لم يعلن فوزه بالرئاسة الاولى وفق ما تقتضيه القوانين والاعراف، فان هذه التراكمات بين الطرفين وصلت الى ذروتها بعد استنفاد المهل القانونية لانجاز الانتخابات النيابية وجنوح بري للتمديد للمجلس ما دفع عون الى استعمال صلاحياته الدستورية بتعليق اعمال مجلس النواب لمدة شهر ننتهي في 15 ايار القادم وهذا ما ازعج بري وان لم يبح به علانية، فسارع باعلان 15 ايار موعداً لعقد جلسة نيابية للتمديد للمجلس، وهذا ما اعتبره عون تحدياً اثار غضبه فاعلن في الاول من امس لدى استقباله وفداً من نقابة المحامين انه يرفض ان يمدد المجلس لنفسه ولو دقيقة واحدة وهو سبق له وتقدم بطعن امام المجلس الدستوري لدى التمديد قبل انتخابه، وان قبوله بانتخابه من قبل مجلس طعن به رئيساً للجمهورية يصب في خانة التسوية لا الاعتراف بشرعية المجلس المذكور وهي نقطة خلافية كبيرة زادت من اتساع الشرخ بينه وبين بري، وعلى خلفية ان «السبت لخدمة الانسان وليس الانسان لخدمة السبت» اعلن عون انه بمقدورنا انتاج قانون انتخابي جديد ولو بلغنا 20 حزيران معتبراً ان «لا فراغ سيحصل في المؤسسات وليقرأوا الدستور» وفي غمزه من قناة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط» اذا كان لبنان كله خصوصيات فلكل خصوصيته وواحته، واعتبر «التمديد فساداً متراكماً، مفسحاً المجال امام اللاعبين ولمدة اخيرة بالتوافق على قانون انتخابي جديد بعد فتحه المهل حتى 20 حزيران، فهل يبصر القانون المرتقب النور ام ان العبرة تكمن في كلام الله لموسى سائلاً اياه: ماذا بيدك يا موسى؟ فاجاب خالقه: هذه عصاي فسأله: وما غايتك منها؟ فاجاب: اهش بها على غنمي ولي فيها مآرب اخرى، ما يطرح السؤال حول التوقيت الراهن على تحرك الشارع من اعتصام موظفي الضمان واعتصام المياومين وجباة الاكراء امام وزارة الطاقة وكذلك متعاقدي وزارة الشؤون الاجتماعية الذين صرفوا «لعدم جدوى» احصاء النازحين السوريين وصولاً الى اصحاب الشاحنات؟ انهاء حرب الهاء العهد كي لا يكافح الفساد.