IMLebanon

الوضوح العوني

المشهد السياسي الشارعي الراهن في لبنان يتناسق ويتناسب مع قواعد الاشتباك المألوفة فيه ولا يخرج عنها. وذلك مبدئياً، أمر إيجابي وليس سلبياً!

جيد أن يؤكد النائب ميشال عون التزاماته المحورية. وأن يقول كلاماً واضحاً يثبّت كونه جزءاً من تلك التركيبة الممتدة من طهران الى الضاحية الجنوبية مروراً ببشار الأسد. وأن يخرج بالتالي، نهائياً من قصة أنه يشكل حلاً للأزمة الرئاسية وليس عاملاً مجاهداً في الحفريات التي تعمّقها. وانه في مكان آخر، بعيد عن الدستور اللبناني وبنوده التي تحدد كيفية إدارة شؤون الدولة وعمل مؤسساتها. من رئاسة الجمهورية وكيفية انتخاب رئيس جديد، إلى رئاسة الحكومة وكيفية عمل مجلس الوزراء ووضع جدول أعمال جلساته، إلى مجلس النواب وكيفية ممارسة مهامه التشريعية، إلى الجيش ودوره والقوانين التي ترعى شؤونه التنظيمية.

وجيد أن يعتمد النائب عون كل ذلك الوضوح في مقارباته العامة. وأن يؤكد المرة تلو المرة، أن منطلقاته خاصة وذاتية وشخصية وليست متصلة بالصالح العام. أو بمصلحة الدولة. أو بترسيخ أداء سياسي يتماشى مع النظام وتتماته الأهلية، أي مع الدستور والأعراف المتبعة.. وان يطمس في الخلاصة، أي شك عالق في أذهان الآخرين الباحثين منهم، عن احتمالات وسطية تسووية معه، أو المهمومين (فعلياً!) من إمكانية قبوله تلك المحاولات!

وضوح النائب عون علامة سيئة له وجيدة للوضع اللبناني العام: يستأنف مساره المألوف الذي تُوِّجَ في أواخر ثمانينات ومطالع تسعينات القرن الماضي وخصوصاً لجهة الخيارات والاصطفافات الاستراتيجية، ولا يتردد في إشاعة انتظاره «تطورات» إقليمية لمصلحته. أي إنه يكرّر ما فعله عشية 13 تشرين الأول عام 1990 ورهانه على الحصان الخاسر. «يذهب» الى بشار الاسد في عزّ سقوطه وصيرورته جثة سياسية تنتظر موعد الدفن، مثلما سبق وذهب الى صدام حسين في عزّ سقوطه إقليمياً ودولياً. وفي المحطتين اختار (ويختار) سلوك طريق الى قصر بعبدا لم يلحظه الدستور اللبناني، ولا تحتمله الأعراف اللبنانية، ولا «طبيعة» الكيان الوطني (السياسي والأهلي) التي تحكم بالتسوية وليس بالفرض وبالممارسة المدنية وليس بالعمل الحزبي (برغم كل العنف وظواهر العسكرة) وبالانتخاب وليس بالانقلاب. ولم ينتبه، أو بالأحرى، لا يريد الانتباه، الى أن رئيسين لبنانيين جاءا بعد حربين لكن من خارج اصطفافاتهما. الأول فؤاد شهاب بعد حرب 1958 والثاني الياس سركيس بعد حرب 1975. وان رئيساً ثالثاً هو العماد ميشال سليمان جاء بعد «ميني فتنة» في العام 2008 ومن خارج اصطفافاتها أيضاً!

مسار النائب عون المألوف هذا يتناسب مع طريقة تفكيره، لكنه يتناقض مع الحقائق والوقائع.. وطريقة تفكيره هذه جعلته يظن في العام 1990 أن صدام حسين سيطبّش الأميركيين ومن لفّ لفهم! (كان الاتحاد السوفياتي نفسه يتحلّل يومها!) وأن بشار الأسد اليوم سيتكئ على فلاديمير بوتين ويطبّش كل أعدائه! وان عبدالملك الحوثي والمخلوع علي عبدالله صالح رسّخا انقلابهما في اليمن وليس العكس! وذلك شيء لا يمكن مجادلته فيه! هو حرّ في افتراضاته، بل يجب في الحقيقة، أن يتأبطها جيداً حتى اللحظة الأخيرة. وأن يجري تشجيعه على ذلك بكل السبل، خصوصاً من خلال رفد الأهازيج والدربكة المصاحبة لقراءات صهره جبران باسيل، بنتف متفرقة عن المقالع وجبال الصوّان.

الوضوح العوني يوفّر على غيره في الداخل الكثير من المجادلات العقيمة، ومن احتمالات بعض التفسّخ السياسي. وعلى غيره في الخارج احتمال الإصابة بالتعب جراء محاولة فهم معنى ان يصير هذا الرجل رئيساً للبنان.. ويوفر على لبنان في الإجمال والعموم عناء زيادة همومه ومشكلاته وأزماته من خلال تفطيس احتمال تمدّد نفوذ «الولي الفقيه» من الضاحية إلى بعبدا.

.. شكراً مون جنرال!