في أول لقاء علني لرئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون مع الرئيس سعد الحريري منذ العام 2009، أثناء العودة الثانية لـ «الشيخ» الى بيروت، كان الحديث في سلّة التعيينات الأمنية بنداً أساس على لائحة الاحتفاء بـ «ميلاد الجنرال» في بيت الوسط. ولأن الرئاسة الأولى صارت وراء ظهر الرجلين، بحكم الفيتو السعودي، تسنّى للرجلين أن يتباحثا في المتاح من نقاط التلاقي المشتركة.
عملياً، كانت المرّة الأولى التي يفلش فيها ميشال عون أوراق مقاربته للشغور الأمني الزاحف الى المؤسسات مع بدء نهاية مفاعيل التمديد الأول. وفق المعلومات، لم يطرح «الجنرال» في لقائه مع الحريري معادلة شامل روكز- عماد عثمان، بل قارب المسألة بمداها الأوسع. سلّة تعيينات أمنية تشمل مدير عام قوى الأمن الداخلي، وقائد الجيش، وأعضاء المجلس العسكري (بمن فيهم رئيس الاركان وأمين عام المجلس الأعلى للدفاع) والمواقع الشاغرة في مجلس القيادة في قوى الأمن. لم تثر إشكالية مدير المخابرات طالما أن تأجيل تسريحه يدخل ضمن صلاحيات وزير الدفاع وفق المادة 55 من قانون الدفاع.
هذا الاستثناء، في نظرة ميشال عون الى وضع العميد ادمون فاضل، لا يعني عدم تحفظّه على نتائج هذا التمديد المقنّع. قائد الجيش السابق مقتنع بأن تأجيل التسريح، عندما يحصل، يجب أن يترافق مع تبديل في موقع الضابط المشمول بهذا الإجراء. فعادة يتمّ الركون الى هذا الخيار في حالات الحرب.
أما وأن العميد فاضل بقي في موقعه في مديرية المخابرات، فهذا يفقده، بعد تجاوزه السن القانونية، حق الأمرة على الضباط ممن لا يزالون في السلك. المحيطون بميشال عون يتساءلون دوما «عمّن يمضي بريد المديرية؟ فاضل أم مساعده؟!».
الانطباع الايجابي الذي خرج به ميشال عون من ذلك العشاء، دفعه لاحقاً الى استكمال جولة «السلّة الامنية» فحطّ في عين التينة وكليمنصو مستعيدا المقاربة نفسها: إذا كان الشغور الرئاسي سيطول، وهو أصلا غير محكوم بضوابط قانونية تحدّد له آجالا معينة، فإن الشغور الامني ترعاه القوانين التي تفرض اجتماع مجلس الوزراء والتوافق على تعيين بدلاء عن من احيلوا الى التقاعد.
وفق المعلومات، تحرّك «الجنرال» كان منفصلا تماما عن تحرّك وزير الخارجية جبران باسيل باتجاه الصيفي ثم معراب، حيث ان الاخير يعمل حصرا على خط إقناع القوى المسيحية بالضغط والتصويت لصالح إقرار قانون استعادة الجنسية اللبنانية بما ان الفرصة متاحة عبر دعوة الرئيس نبيه بري المرتقبة الهيئة العامة للانعقاد.
في كافة اللقاءات التي اجراها عون لم يثر مسألة الدفع باتجاه إقرار قانون رفع سن التقاعد لكافة الضباط، مركّزا فقط على دور مجلس الوزراء في تعيين قادة امنيين جدد. وذلك، بعكس كافة المناخات التي أشارت الى رفض رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» بداية للقانون، ثم العودة عن رأيه تسهيلا لتعيين قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز قائدا للجيش عبر منحه ثلاث سنوات إضافية في الخدمة.
المقرّبون من عون يجزمون في هذا السياق: موقف العماد عون من هذا القانون غير قابل للنقاش، لأن ذلك سيؤدي الى نفخ الجيش بـ «جيش» من العمداء قد يؤدي الى تخديره وشلّه.
رئيس «التكتل» يتكئ على دراسة سبق ان اجراها العميد السابق في الجيش وزير الدولة السابق بانوس مانجيان قبل نحو ثلاث سنوات، وخلص بنتيجتها الى ان إقرار هذا القانون قد يؤدي الى كارثة سترفع عدد العمداء الى أكثر من ألف.. العماد جان قهوجي يشاركه الرأي تماماً.
أكثر من ذلك، بات عون يدرك الجهة المسؤولة عن هذه التسريبات المغلوطة التي تحاول الايحاء بأن التمديد الثاني للعماد جان قهوجي سيحصل، والمقابل سيكون إقرار قانون التمديد بما سيعطي فرصة للعميد روكز للبقاء في السلك.
أما نظرته الى التمديد للقادة الامنيين فقد شرحها بشكل تفصيلي من خلال المطالعة القانونية الشاملة التي قام بها بعد اجتماع «التكتل» في 17 شباط الماضي وخلص بعدها الى سحب الثقة من وزير الدفاع سمير مقبل، والتأكيد على ضرورة صدور مراسيم بالتعيين عن مجلس الوزراء من دون ان يتفرّد اي وزير بهذا القرار، مطالبا حكومة تمام سلام بـ «تصحيح هذه الاخطاء».
خلاصة المشاورات مع الحريري وبري وجنبلاط بشأن السلّة الامنية كانت «مريحة وايجابية» في ميزان عون، فالجميع وعد بالتجاوب والموافقة المبدئية. وقد اتت تعيينات لجنة الرقابة على المصارف، التي قامت أصلا على أساس سلّة توافقات حول اعضائها، لتقوّي حجّة رئيس «التكتل» بإمكانية السير في تعيينات تكسر خطيئة التمديد غير المبرّر.
المحيطون بعون يقولون «عملياً يفترض ان لا يكون هناك مشكلة تمهّد لادراج الاقتراح على جدول اعمال مجلس الوزراء، لكن حتى اليوم لا شيء يؤشّر الى تحرّك هذا الملف».
في منظار عون، يشكّل الخامس من حزيران، تاريخ إحالة مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص الى التقاعد، محطة اختبار للوعود التي سمعها، مع العلم ان القاسم المشترك بين هذه الوعود هو ان تعذّر التعيين سيؤدي الى «ابغض الحلال اي التمديد». حتى «حزب الله» يتبنى الموقف نفسه.
المقاربة العونية تقوم على الآتي: رئاسة الجمهورية لا تزال مفتوحة على المجهول. سعد الحريري منذ اكثر من سنة ونصف يقول للعونيين «نحن لا نزال نحاول اقناع السعودي.. انتظرونا». سمير جعجع يريد التوصّل الى قراءة مشتركة بين الطرفين حول النظرة الى الدولة والنظام ومفهوم السيادة و «بعدها منحكي رئاسة».. إذا لا مواقيت حاسمة وثابتة.
لكن حين يحكى عن الاستحقاقات، لا يمكن تجاوز استحقاق يبدأ خيطه من تاريخ إحالة اللواء بصبوص الى التقاعد، وهو تاريخ محدّد بالزمان والموضوع. هنا، برأي ميشال عون، سيكون الاختبار الفعلي لواعديه. إذا لم نستطع الاتفاق على تعيين بديل عن بصبوص، فعلى ماذا سنتفق لاحقا؟
لن يكون ذلك، برأيه، سوى ترجمة أمينة لما يوصف بالمناورة وكسب الوقت من جانب الرئيس الحريري بانتظار تسوية «قد تأتي على حسابنا»…
عون لا يزال «مطوّل باله» و»نفَسه» أطول مما يظنّ البعض، لكن لا أجوبة في الرابية حتى اليوم على سؤال بديهي «وماذا سيفعل الجنرال حين تسقط الحكومة في اختبار التعيين او حين لا يطرح أصلا على الطاولة، فيما الرئاسة ضائعة حتى إشعار آخر في زواريب النووي، والسعودي يخبط برجله: اميل لحود ولا ميشال عون، وقائد فوج المغاوير العميد شامل روكز المعروف بكونه من أكفأ الضباط واكثرهم انضباطا ومناقبية والمرشح الابرز لقيادة الجيش يترك رومية، مقرّ الفوج، الى منزله بعد سبعة أشهر…؟».
صدى الجواب يُسمع في مكان آخر. نهاد المشنوق سيوقّع قرار التمديد لبصبوص، بعدها سيكرّر وزير الدفاع «فعلته» بالتمديد لقهوجي إذا لم يتمّ انتخاب رئيس. ونقطة على السطر.