عون واثق من النصر.. في «المعارك الخاسرة»
الاستفتاء المسيحي ينطلق.. تثبيتاً لـ«الرئيس القوي»
ما يراه خصوم العماد ميشال عون وحلفاؤه لا يراه هو. وإذا كان هؤلاء يعتبرونه بطل المعارك الخاسرة فهو، على الأرجح، يعتبر نفسه بطل المعارك المصيرية. لا تعنيه كل المسلمات التي يسمعها من هنا وهناك. ولا يعنيه ما يقال إن التمديد للعماد جان قهوجي صار محسوماً.. ولسنتين. كما لا يعنيه ما يحكيه بعض «المستقبليين» عن أن على عون أن يقتنع أنه لن يكون في موقع المطالب بالحصص إنما في موقع من يقبل بالحصص التي تعطى له.
بالنسبة لعون، لا خيارات بديلة عن الخيارات التي يأخذها. وانطلاقاً من مبدأ «القهر يقوينا والقمع يكبرّنا»، يكمل العونيون معاركهم.. «الرابحة». في طريقهم أربع محطات أساسية: رئاسة الجمهورية، قانون الانتخاب، قيادة الجيش واللامركزية الإدارية، أما مقصدهم فليس سوى ما دأب عون على تكراره: «معالجة الخلل في النظام واستعادة الحقوق المسيحية المصادرة»، علماً أن من يتحدث عن هذه الحقوق يحرص على التأكيد أن «الخلاف ليس مع المسلمين، بل مع من يستأثر بالقرار».
وعليه، يوضح أحد الزائرين الدائمين لعون أن الأخير يحسبها بشكل مختلف، وهو لن يتراجع عما يعتبره قضية محقة، حتى لو تعرض لانتكاسة هنا وأخرى هناك، إلى حد القول إن المعركة صارت «معركة أكون أو لا أكون». وفي سبيل ذلك، لن يتورع عن استعمال كل الأسلحة الممكنة، إن كان وزارياً أو نيابياً أو حتى شعبياً، بالرغم من أن العونيين ينظرون إلى مسألة تعطيل الحكومة والمجلس النيابي بوصفها نتيجة لرفض الآخرين التسليم بأي حق للمسيحيين، الذين يطالبون، على الأقل، بإدراج قانون الجنسية في مجلس النواب، وبتطبيق القانون وتعيين رؤساء للأجهزة الأمنية في مجلس الوزراء.
حتى القول إن «مبادرة عون» سقطت، يحتاج إلى تدقيق. إذ علمت «السفير» أن جهداً يبذل على خطوط الرابية ـ معراب ـ بنشعي وبكركي تحضيراً لإجراء استطلاع رأي كبير يقارب الاستفتاء، ويهدف إلى تبيان توجهات المسيحيين فيما يتعلق بالرئاسة الأولى. وهو ما يعني عملياً تنفيذ الشق المتعلق بالاستفتاء بمبادرة عون. صحيح أنه استفتاء غير رسمي، لكن من يعمل عليه، يهدف إلى إحراج المعنيين بموضوع الرئاسة، من خلال تحديد حجم التمثيل الشعبي لكل من المرشحين.. ومن ثم دعوة الجميع إلى احترام خيار المسيحيين.
اللافت أن «التيار الحر» لا يجري الاستفتاء وحيداً، إنما بمشاركة مسيحية واسعة، تستثني «حزب الكتائب» الذي تحفظ على المشاركة في هذه العملية.
ويرى المصدر أن هذه الخطوة ستشكل «نصف إحراج» لمن يعارض مبدأ الرئيس القوي، بالرغم من أنها لا ترقى إلى مستوى «الإحراج الكامل» الذي يمكن أن يتحقق من خلال الاتفاق المسيحي على اسم مرشح واحد.
يسعى منفذو الاستطلاع لتسجيل سابقة في الانتخابات الرئاسية، تتمثل في تكريس رأي المسيحيين في المعادلة، لكنهم يحرصون على التأكيد أن خطوتهم تتواءم مع الدستور بشكل كامل، كما تتواءم مع ما طرحه البطريرك بشارة الراعي عن الحاجة إلى «مخرج دستوري وديموقراطي». علماً أن هؤلاء يعتبرون أن إنهاء مرحلة التناقضات في الشارع المسيحي، التي كانت أبرز علاماتها «إعلان النوايا» بين «التيار» و «القوات»، تغلق الثغرة التي كان يتم النفاذ منها لمصادرة حقوقهم.
وبالرغم من أن هذا الطموح المسيحي المشترك لا يبدو أنه صرف حتى الآن، إلا أن ذلك لا يؤثر على ثقة العونيين المبالغ بها بأنهم يسيرون على طريق النصر. يعتبرون أنهم غير معنيين بالربح بالمفرق، كما أنهم غير معنيين بالواقع الذي يقول إن الرئاسة مؤجلة إلى زمن بعيد.. إلى زمن التسويات الإقليمية. يميزون بين الواقع وبين ما يطمحون إليه، ويعلنون استعدادهم دائماً لأي متغيرات، إذ «لا تعرف كيف تتحرك الإبرة». وعليه، فإن الطموح ما يزال واحداً وهو إيصال ميشال عون إلى سدة الرئاسة بما يعنيه ذلك من «تحول تاريخي في المسار السياسي المستمر منذ 25 عاماً».
يذكر العونيون دائماً أن حركتهم مبنية على أساس دعوة الجميع إلى تنفيذ «الطائف»، من دون أن يلغي ذلك إيمانهم بأن الاتفاق بحاجة إلى إصلاحات. لكنهم يعتبرون أن أضعف الإيمان لمن يجاهر في الحرص على «الطائف» ويرفض المس به أن ينفّذه ويلتزم بالمناصفة والشراكة.
لا يبدو جعجع بعيداً عن هذا الموقف، وهو صاحب عبارة «مُعتَوِر» التي جاءت في البند الخامس من «إعلان النيات» (التأكيد على أن وثيقة الوفاق الوطني قد طبقت منذ إقرارها وخلال عهد الوصاية وحتى اليوم بشكل معتور مما يوجب تصويب المسار من خلال.. المناصفة الفعلية وصحة التمثيل النيابي الفعال والشراكة الصحيحة.. وترجمة ذلك في قانون انتخاب يؤمن القواعد المشار اليها اعلاه وفي انتخاب رئيس للجمهورية قوي ومقبول في بيئته وقادر على طمأنة المكونات الأخرى).
صحيح أن «التيار» و «القوات» لا يتحدثان الخطاب نفسه، ولكنهما اجتمعا تحت لواء الهدف نفسه. وفيما لم يصدر عن جعجع ما يعارض تعيين شامل روكز قائداً للجيش، لم يصدر عنه موقف معارض لانتخاب عون رئيساً للجمهورية. وإن لم يعلن تأييده له، فإن سيره بالاستطلاع يعني عملياً أنه لا يعارض تسجيل عون لنقطة إضافية في سجل ترشحه إلى الرئاسة.