عطب النظام يولّد الأزمات.. و«الجنرال» يستثمر
عون يواصل البحث عن بدائل «عادلة» لـ«الطائف»
قبل نحو شهر، وقف النائب العماد ميشال عون مِن على منبره في الرابية ليؤكد «لقد دخلنا مرحلة العدّ العكسي. لسنا أمام إعلان مواقف، بل إعطاء فرصة لإعادة النظر في اتفاق الطائف». يومها قدّم عون مبادرة تقوم على انتخاب الرئيس من الشعب وإجراء استفتاء شعبي، يتم بعده الاختيار بين المرشحَين الأول والثاني وإجراء انتخابات نيابية. طرح عون لاقى اعتراضاً واسعاً من المدافعين عن اتفاق الطائف. قرأوا فيه ترجمة لرغبات عون، غير الدفينة، في نقض هذا الاتفاق وابتداع صيغة نظام جديد غير واضح المعالم.
عون نفسه لم يُخفِ يوماً اعتراضه على الطائف. حاول في ما ندر، التعايش معه والسعي الى تعديلات من داخله، لكنه لم يكن مرة راضياً. لم يتردد في اكثر من مناسبة في الاشارة الى انه «لم يطبّق من اتفاق الطائف سوى تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية ونقل السلطة الإجرائية إلى مجلس الوزراء». محمّلاً الطائف تدفيع المسيحيين الأثمان الباهظة، خصوصاً لجهة القوانين الانتخابية التي طُبقت منذ إقراره الى اليوم.
واظب عون، منذ عودته من منفاه الفرنسي، على انتقاد النظام اللبناني والطائف ونتائجه. أكسبه ذلك تأييداً واسعاً في الأوساط المسيحية التي رأت في تطبيق الاتفاق، في عهد الوصاية السورية، استهدافاً لها ولشراكتها ودورها وحتى حضورها.
يواصل عون اليوم السعي إلى تغيير النظام، طالما أن هذا النظام لم ينجح في أن يترجم او يعكس، بحسب رأيه، حجم تمثيله السياسي. ويدور كلام كثير في الرابية حول النظام وسبل تعديله. وتطرح أفكار متعددة حول كيفية مواجهة «لاشرعية» التمديد والتجديد، سواء في السياسة او الادارة من مجلس النواب الى القيادات العسكرية والأمنية، كمدخل الى معالجة «العطب الاساسي» المتمثل بالنظام الذي لا يخرج من ازمة الا ليدخل في أخرى.
يقول أحد السياسيين المسيحيين «الوسطيين» إن في «مواقف عون ما هو حقيقي وحق. لكن لا يمكننا ان نغض الطرف عن التوقيت الخطير. ففي مثل هذه الظروف، ووسط الانقسام الخطير في لبنان، والفتنة الآخذة بالتوسع في المنطقة، لا يمكن أن يُجرى اي تعديل او تغيير للنظام الا عبر ازمة كبرى يُخاف معها ان يُطاح بالدولة ككل. فلا أحد يرمم سقف منزله في العاصفة». يضيف السياسي أن «عون نفسه هو ابن هذا النظام وربيبه. فقد تمّ تعيينه قائداً للجيش في ظل مجلس نيابي ممدَّد له ثلاث مرات. وعُيّن رئيساً لحكومة انتقالية في ظل مجلس نيابي ممدَّد له اربع مرات. وهو نفسه وافق على مبدأ التمديد لضباط في الجيش يوم كان قائداً له. وهو عمل وبرز في ظل هذا النظام. بالتالي، لا يمكنه اليوم أن ينقض كل ما بناه ويهدم الهيكل عليه وعلى أعدائه. طموح معظم اللبنانيين، من غير أصحاب المصالح، تطوير النظام وتحصينه، لا تدميره. واذا نظرنا بعين المصلحة المسيحية البحتة، فأي مصلحة للمسيحيين أن يضعوا اليوم على طاولة البحث والنقاش صك ملكية المناصفة الذي وقّع عليه المسلمون وأقرّوه، في زمن تراجُع العدد وتضعُضع التوافقات؟».
في مقلب خصوم عون يؤكد أحد نواب «كتلة المستقبل» ان «عون لم يتوقف يوماً عن البحث عن سبل تزعزع كل اتفاق الطائف وتسقطه. يتناسى ان الوصول الى هذا الاتفاق كلف اللبنانيين سنوات من الاقتتال ومئات آلاف القتلى والجرحى والمهجّرين. قد لا يكون الطائف هو النظام الأمثل ويحتاج الى بعض التعديلات، كما يحصل في كل انظمة العالم. لكن عون يريد نظاماً مفصلاً على قياس مصالحه وحساباته، يأخذ منه ما يناسبه، ويرمي ما لا يناسبه. وهذا ينسحب على كل سلوكه. لكن المؤسف انه بمغامراته المتواصلة يجر كل اللبنانيين، وخصوصاً المسيحيين، الى حافة هاوية لا نعرف لها قعراً».