IMLebanon

عون يغطِّي باسيل؟

 

لا يُحسَم الجدل حول السؤال الآتي: إلى أي حدٍّ يبتعد الرئيس ميشال عون أو يقترب من النهج الذي يعتمده الوزير جبران باسيل؟ ويقول البعض: في حقيقة الأمر، باسيل هو سرّ الرئيس. إنه صهرُه بدرجة القرابة العائلية، لكنه ابنه في السياسة والحزب. وعليه ينطلق المثل: الإبن سرّ أبيه!

 

في اعتقاد الكثير من خصوم باسيل أنّه يعتمد أسلوب عون نفسه في تكريس الزعامة وبلوغ الرئاسة. ويجدر التنويه بأنّ حالة عون الزعامتية خاصة جداً.

فالشخصيات المارونية التي أنشأت زعامات حقيقية، على مدى نصف القرن الفائت، تنتمي إلى واحدة من فئتين: إمّا فئة الوراثة السياسية، كأحزاب الكتائب والأحرار والزعامات المناطقية، وإمّا فئة التنظيمات المسلحة كـ«القوات». أما تلك التي لم تستند إلى الوراثة أو الميليشيا فبقيت محاولاتها محدودة التأثير جماهيرياً، ولو وصلت إلى بعبدا من المجلس النيابي أو من قيادة الجيش.

 

وحده العماد ميشال عون خرق القاعدة. لم يرث الزعامة المسيحية ولم يصل إلى الرئاسة من تنظيم مسلّح، بل استطاع، انطلاقاً من موقع قيادة الجيش، أن يصبح زعيم المسيحيين الأقوى، بدءاً بموقع رئيس الحكومة الانتقالية في نهاية الثمانينات، ثم المنفى السياسي وزعامة «التيار الوطني الحرّ»، فرئاسة الجمهورية.

 

ما من أحد سبق عون في هذا المسار الاستثنائي. ولكن، هناك واحدٌ يلحق به هو الوزير باسيل. فهو يعتمد استراتيجية الصعود إيّاها. كما يستند إلى الطاقات التي يوفّرها عون ليصعد إلى الزعامة والرئاسة.

 

لكنّه بالتأكيد لا يشكّل كالرئيس عون حالةً زعامتية استثنائية، بل حالة تقليدية. إنه ينتمي إلى فئة الزعامات الموروثة. وأياً تكن التفسيرات لصعوده، فإنّه بالتأكيد ثمرة خلافة عون على رأس «التيار»… وربما في رئاسة الجمهورية لاحقاً.

 

الذين يعرفون باسيل يصفونه بأنّه مهندس ديناميكي وماهر وبراغماتي. وهو لذلك يستوحي مسيرة عون تماماً ويستوعب كل الطاقات التي وُجِدت بين يديه. وفي هذا المجال يقول أحد العارفين: بعض الورثة يضيّعون الميراث ويفرِّطون به. وأمّا باسيل فهو يعرف تماماً كيف يحافظ عليه ويزيد فيه ويستثمره.

 

حتى خصوم باسيل يعترفون بديناميته. وفي اعتقاد البعض أنّ ذلك فتح له الباب ليدخل نادي الزعامة. ولكن، في رأي البعض الآخر، القول إنّ باسيل قادر على استثمار الإرث العوني وتكرار مسيرة عون ليس محسوماً، إنّه دقيق. فالمبالغة التي يعتمدها الرجل قد تنقلب في غير مصلحته، وربما تطيح الإمكانات التي وفّرها عون على مدى عقود. وثمة مَن يعتقد أنّ عون نفسه يخشى هذا الأمر. ولكن، يسأل آخرون، ألم يمرّ الرئيس عون، خلال صعوده السياسي، بتجارب قاسية أكثر بكثير من تجارب باسيل؟ وإذا كانت معارك باسيل تقتصر على «الفيديوهات» المسرّبة والتصريحات والحوادث المتفرقة، فإنّ مسيرة عون كانت قاسية ومرّت بها الحروب مع سوريا و«القوات اللبنانية».

 

في أي حال، يبدو أنّ رئيس الجمهورية قد أعطى باسيل «كارت بلانش» ليتحرّك في القوة والاتجاه اللذين يوفّران له امتلاك الزعامة المسيحية الأولى وحظوظ الرئاسة. وهذا واضح منذ اليوم الأول من العهد، إذ أطلق يده في مواجهة الخصوم الواقعيين والافتراضيين في الطوائف الأخرى والمنافسين في الوسط المسيحي، وتحديداً رئيسي «القوات» الدكتور سمير جعجع و«المردة» سليمان فرنجية.

 

حاول جعجع مراراً أن يشتكي باسيل لدى عون، فكان يُقال له: أنا الرئيس فوق الجميع. مشاكلكم السياسية والحزبية اجلسوا معاً وحلّوها في ما بينكم. وبعث الرئيس برسالة واضحة تدعم باسيل، فهو مستهدف لأنّه «رأس السبق» الرئاسي.

 

يميل باسيل إلى أسلوب الجولات الشعبية ليفتح المعارك. قبل عام كان «الفيديو» البتروني، الذي أثار الرئيس نبيه بري فاشتكى في بعبدا، لكن الرئيس لم يكسر خاطر باسيل. وقبل أسابيع، اشتكى الرئيس سعد الحريري من كلام الوزير في تل ذنوب، لكن عون أيضاً لم يكسر خاطره. واشتكى جعجع من جولة باسيل في بشرّي، لكن عون لم يتدخّل.

 

واليوم، يشتكي جنبلاط، على خلفية أحداث الأحد، لكن الرئيس لا يجد في تصرّف باسيل ما يبرّر الشكوى. لكنه، نصحه بإلغاء زيارته المقرَّرة الى طرابلس. فالجو لا يتحمُّلها، لا سياسياً ولا أمنياً.

 

إذاً، يعتمد عون نهجاً دقيقاً إزاء باسيل. عملياً هو يرعاه ويوفّر له الطاقات والعلاقات والتغطية الكاملة ليكون الزعيم المسيحي الأقوى في المرحلة الآتية، ويفتح أمامه الأبواب ليكون خليفته في رئاسة الجمهورية. لذلك، هو يصمّ الأذنين عن كل اعتراض أو شكوى تَرِدُ من الخصوم والمنافسين.

 

لكنه يحاذر أن يرتكب الرجل خطأ «استراتيجياً» لا يُصحَّح، ويؤدي إلى ضرب العهد وحرمان باسيل أي فرصة مستقبلية. ومعروفة أبواب هذا الخطأ «الاستراتيجي» الذي يمكن أن يشكّل مقتلاً. وضمن هذه الدائرة، يمنح عون تغطيته لباسيل ولا يندم.

 

وقد يتحدث البعض عن فكّ ارتباط سياسي بين عون وباسيل، بسبب اختلاف الموقعين. لكن الوزير نفسه أحبط هذه المقولة عندما رفع في الانتخابات النيابية شعار: «صوِّتوا لنا… صوّتوا للعهد». وقد تتكرّس الأدوار مقلوبة في الانتخابات الرئاسية المقبلة عندما يرفع عون شعار: «صوِّتوا لنا… صوِّتوا لباسيل»!