مراهنا «على مسؤوليته الوطنية ورصانته وجديته وقراءته الدقيقة للظروف في لبنان والمنطقة»، قصد وزير الداخلية نهاد المشنوق العماد ميشال عون في دارته في الرابية أمس طالبا تعاون «الجنرال» في ما يمكن ان يحمي آخر أعمدة «جمهورية الفراغ»: المؤسسات الأمنية والعسكرية التي تخوض حربا غير مسبوقة ضد الإرهاب.
كان المشنوق بالغ الصراحة بتأكيده بأنه لا يزور الرابية بصفته وسيطا او موفدا لـ «تيار المستقبل» أو رئيسه سعد الحريري، بل من موقعه كوزير للداخلية، عارضا مسائل عدة أبرزها تعيين قائد للجيش وقائد لقوى الأمن الداخلي والمجلس العسكري ومجلس قوى الأمن الداخلي وأمورا أخرى تتعلق بشعبة المعلومات (الترقيات وتطوير عملها).
وبعد تشديد وزير الداخلية على خطورة الأوضاع الأمنية وصعوبتها، و «ضرورة التصرّف حيالها بدقة وجدّية ومسؤولية»، ابلغ عون أنه ذاهب إلى مجلس الوزراء في 28 أيار الحالي لتقديم اقتراح متكامل حول مؤسسة قوى الأمن، على رأسها التعيينات في المديرية العامة وأعضاء مجلس القيادة العاجز عن الاجتماع بسبب فقدانه النصاب.
يتضمن الطرح اقتراحا بأسماء ثلاثة مقترحة لموقع المدير العام وهي: العميد أحمد الحجار والعميد عماد عثمان والعميد سمير شحادة، فضلا عن أسماء أخرى لباقي المواقع.
طَرْحُ التعيين من هذه الزاوية عَكَس بشكل مباشر طلب المشنوق من «جنرال الرابية» فصل تعيين مدير عام قوى الأمن عن تعيين قائد جيش جديد، فالاستحقاقان مختلفان وتوقيتهما متباعد، وبالتالي لا أسباب موجبة لربط يعيق مسار الحلول. قال ما مفاده: «لست من النوع الذي يرسل عسكره إلى الجبهات لمواجهة الإرهاب وظهره مكشوف»!
معادلة المشنوق ارتكزت إلى الآتي: إما التوافق على سلّة التعيينات في قوى الأمن الداخلي، وبعدها نبحث لاحقا في مصير قيادة الجيش على أن تخضع للمعادلة نفسها، وإما «اعذروني».
ووفق أوساط عون والمشنوق، كانت الجلسة صريحة وايجابية وتخللتها مقاربات وقراءات لمفهوم الدولة والأولويات الوطنية والفرق بين تركيبة الجيش وباقي المؤسسات الأمنية وآليات التنسيق المعتمدة بطريقة غير مسبوقة بين الأجهزة والانجازات الأمنية، خصوصا تلك التي قامت بها شعبة المعلومات من رومية الى تفكيك عشرات الشبكات الارهابية.
ووفق أوساط معنية، «كان الجنرال متفهما ومتقبلا مقاربات وزير الداخلية، لا بل أبدى حرصه على أهمية ومفصلية دور المؤسسات العسكرية والأمنية وأن تكون قادرة ومقتدرة ولا تواجه الفراغ، غير أن هذا التفهم لم يصل الى حد تعديل موقفه السياسي (ربط التعيين في قوى الأمن الداخلي بالتعيين في قيادة الجيش)».
وعلم أن «الجنرال» عرض لمسار هذا الملف من لحظة زيارته للرئيس سعد الحريري في «بيت الوسط» وما تم التوصل اليه بينهما من قواسم مشتركة قبل أن «يكتشف» بعد الزيارتين المتتاليتين لكل من الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط أن الحريري يعتمد خطابا مزدوجا، اذ إنه صارح كلا من بري وجنبلاط برغبته بالتمديد لكل من اللواء ابراهيم بصبوص على رأس مؤسسة قوى الأمن والعماد جان قهوجي على رأس قيادة الجيش!
والمفاجئ أن من طرح معادلة شامل روكز ـ عماد عثمان (أو شحادة) خلال لقاء بيت الوسط هو الرئيس الحريري نفسه، ولذلك، كان موقف «الجنرال» بالأمس حاسما بوجوب الذهاب الى تعيين متواز ومتوازن للموقعين معا.. والا فانه لن يقبل نهائيا بالفصل.
عمليا، لم تأتِ مبادرة وزير الداخلية «الإنقاذية» من فراغ، بل خضعت لمقاربة سياسية جوهرها الحفاظ على استقرار البلد وحماية التماسك الحكومي القائم من أية تداعيات، وذلك من موقع المسؤولية الوطنية، وفق ما أعلن المشنوق بعد زيارة الرابية.
غير أن بعضا من المتداولين في «بورصة» التعيين او التمديد للقادة الأمنيين، يقفزون عن قصد او غير قصد، عن معطى أساسي يتعلّق بـ «الملحق» الطبيعي لرأسيّ الهرم في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي وقيادة الجيش.
في الاولى، أي تعيين بديل للواء ابراهيم بصبوص، سيصعب فصله عن تعيينات حتمية في مجلس قيادة فاقد النصاب حاليا لكون جميع أعضائه، باستثناء خمسة من أصل احد عشر عضوا، يعملون بالوكالة.
في الثانية، اي تعيين بديل للعماد جان قهوجي، يعني حتما السير في تعيينات مجلس عسكري فاقد النصاب ايضا بسبب شغور ثلاثة مواقع فيه من أصل ستة، فيما بقية الاعضاء الثلاثة مؤجّل تسريحهم.
المتوافر من المعلومات يشي ان الحماسة للتعيين تقارب الحماسة لانتخاب رئيس للجمهورية أو إجراء انتخابات نيابية… الجميع، باستثناء ميشال عون، يفتّش عن مخرج ما يقي الحكومة والاستقرار غضب «الجنرال».
في مديرية قوى الأمن، في حال سقوط اقتراح المشنوق في مجلس الوزراء بتعذّر التوافق على بديل للواء بصبوص وأعضاء مجلس القيادة، سيصار إما الى التمديد للمدير العام او تسلّم الأقدم رتبة (خيار غير مرجح)، في استنساخ لحالة اللواء اشرف ريفي والعميد روجيه سالم حيث تسلّم الأخير مهام الأول بالوكالة الى حين إحالته إلى التقاعد، ومن ثمّ تسلّم اللواء بصبوص مهام المديرية بالوكالة إلى حين تعيينه مديرا بالأصالة.
الاقدم رتبة في هذه الحال سيكون رئيس جهاز أمن السفارات العميد نبيل مظلوم (شيعي)، والركون الى هذا الخيار سيكون استنادا الى مذكرة كان أصدرها ريفي مع قرب إحالته للتقاعد تقضي بتسلّم مهام المديرية بالوكالة الضابط الأعلى رتبة من قادة الوحدات وذلك تلافيا لوصول اللواء علي الحاج (كان موضوعا بتصرّف الديوان آنذاك) مجددا الى المديرية كونه كان الضابط الاعلى رتبة.
لكن وفق المعلومات، يستطيع اللواء بصبوص إلغاء هذه المذكرة، وفي هذه الحال يستلم مكانه الضابط الاعلى رتبة في قوى الأمن وهو العميد أميل كيوان (ماروني).
والمديرية، التي تعوّدت على «عهود» فقدان نصاب مجلس القيادة أيام اللواء ريفي، باتت تسيرّ أمورها بالموجود. ثمّة مهام كثيرة منوطة بهذا المجلس وتحتاج الى توقيعه، والتململ يسود بين الضباط الى ان دقّ المشنوق جرس الانذار. في الاول من تموز يحلّ أوان ترقية الضباط، وفي حال استمرار الشغور فستتأخّر الترقيات (من مهام مجلس القيادة وضع جداول ترقية الضبّاط لرتبة عقيد وما دون).
وفيما يدخل اقتراح منح الأقدميات الاستثنائية للضبّاط من رتبة مقدّم وما دون من ضمن المهام الاساسية للمجلس، فإن ضباطا يشكون تأخّر هذه الاقدميات بسبب فقدان النصاب. ويستخدم بصبوص حاليا صلاحياته بإجراء تشكيلات الضباط ضمن برقيات فصل، مع العلم انه يعود لمجلس القيادة تعيين مراكز نقل الضبّاط غير المفتّش العام وقادة الوحدات.