سواء كان العماد ميشال عون مرشحاً “طبيعياً وقوياً” لرئاسة الجمهورية، أو ممراً إلزامياً لأي مرشح آخر أو أي طامح، وما أكثرهم، فإن الثابتة الأكيدة أن عون هو اللاعب الاقوى في هذا الملف، وهكذا يجب أن يكون، في معزل عن دعم “حزب الله” له، لأنه رئيس الكتلة النيابية المسيحية الاكبر، وإن كان تكتله لا يضم اكثرية النواب المسيحيين. (في التكتل 23 نائباً مسيحياً من 64 هو العدد الاجمالي للمسيحيين في المجلس)، وهذا يتطلب منه شجاعة الاتفاق مع آخرين على مرشح يعبر عن اكبر شريحة ممكنة، وهو الامر الذي بدأه ربما مع حزب “القوات اللبنانية” من دون ان يغوص في الاسماء المرشحة والمقبولة من الطرفين حتى الساعة، اذ يحاول كل طرف الامساك بمفاتيح التسمية من دون اشراك الآخر في هذا الامتياز، أو على الاقل بحق “الفيتو” على أي اسم مطروح.
واذا كان كثيرون لا يوافقون عون في تطلعاته ومطالبه لانها اسقطت كل شعاراته السابقة بمحاربة الاقطاع والتوارث العائلي والدكتاتوريات، فتحول، كما العائلات المارونية التقليدية، الى التوريث السياسي محاولا ضبط الخلافات داخل العائلة الواحدة، وتوزيع الحصص، اضافة الى تقلبه في المواقف والتحالفات سعياً الى منصب ما زال يحلم به. إلا ان هذا كله لا يلغي حقه وحق المسيحيين الآخرين في ترجيح كفة اختيار الرئيس الذي يمثل المسيحيين في السلطة، وإن كان رئيساً لكل اللبنانيين. فالمسلمون، الشركاء في الوطن، والمصرون على تلك الشراكة، لا يعملون لها بشكل جدي، فهم يريدون اختزال القرار المسيحي، وتقاسم الحصة المسيحية في الوزارات والنيابة وصولا الى الوظائف العامة، واخيراً النقابات التي يشرف على انتخاباتها مسؤولون حزبيون يجرون للمرشحين “فحص دم” سياسياً، لكنهم في المقابل لا يسمحون لأحد بابداء رأيه بمرشحيهم الى الرئاسات والوزارات. وقد اقر بذلك خاطئاً الوزير جبران باسيل عندما قال في مجلس الوزراء إن “التيار الوطني الحر يوافق على أي اسم يطرحه الحزب التقدمي الاشتراكي لمنصب رئيس الاركان في الجيش”، علماً ان الامر يمضي على هذا النحو منذ زمن بعيد من دون اقرار باسيل بالامر، ومحاولته بيع سيد المختارة موقفاً “من كيسه”.
أمس، وفي مناسبة عزاء، قال لي جليسي، الذي لم أكن اعرفه، حرفياً: “عون خدعنا منذ ظهوره، لكنه حاليا يطالب بما هو حق للمسيحيين. الآخرون لا يريدوننا ان نتفق، وقد استاؤوا من لقاء عون – جعجع. المهم ان يستمر عون في مطالبه، وخصوصاً في قانون الانتخاب. عليه ألا يتراجع فليس لديه ما يخسره بعدما أوشك على خسارة كل شيء”.
هذا الشاب هو عينة لرأي عام بدأ يتنامى في أوساط المسيحيين، لأنهم يشعرون بأن ثمة نية حقيقية لعدم التجاوب مع مطالبهم. لكنهم، رغم ذلك، قد لا يلبون طلب عون بالنزول الى الشارع.